ما يلاحظه أي من الذين يتابعون تفاعلات المشهد السياسي في بلادنا هذه الأيام، يجد أن ثمة تجاذبات خارجةً عن إطار التنافس الشريف المفترض بين أطراف المعادلة السياسية الخاطئة اساسا، بسبب الإفراط في الخصومة والذهاب بالخطاب السياسي بعيداً عن ذلك المعهود في جميع الديمقراطيات، و يلحظ أيضا أن السير باتجاه طريق الاحتقان، ليس إلا بغرض تحقيق أهداف لا تتوافق مع الدستور أو مع أي مبدأ ديمقراطي، دون النظر إلى تداعيات ذلك وانعكاساته على مستقبل البلد.
ومما لا جدال فيه أن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تقتضي من الجميع دون استثناء؛ النأي بالوطن عن الانزلاق نحو بؤر التأزيم، وتجنيبه أي خلافات من شأنها الزج به في أتون الفتن والمخاطر، وليس من قبيل المزايدة كما يردد البعض حينما يرون حنطة ويبيعونا شعيراً، وإلاّ ما الذي سنحافظ عليه، إذا جعلنا استقرارَ وطننا مرتهنا بصيحات المتظاهرين من أي طرف كانوا!؟.. وهذه تجارب الشعوب في كل أرجاء العالم تشي بأن الفوضى والتظاهر وإن كانت حقوقا مكفولة في أغلب دساتير العالم، إلا أنها غالبا ما تكون معبرا لتمرير مخططات لا تخدم القضية التي من أجلها يتظاهر المتظاهرون!!. وفي أغلب الحالات فإن التظاهرات تبدأ بشعارات وأهداف، وتنتهي بغيرها لا تشبهها بل تناقضها..!
وأتساءل: هل يمكن أن نبني وطنا على اسس سليمة ونحن أسرى خلافاتنا السياسية وتبايناتنا الضيقة؟؟ ..ثم لماذا كل هذا القفز على الواقع والإجحاف بحق الوطن وتشويه العملية الديمقراطية بهذه الصورة الهزلية التي تسيء للديمقراطية، رغم أننا ـ كشعب ـ قد أجتزنا أمتحان الديمقراطية بالشهادات المحلية والإقليمية والدولية؟ ...وهل يدرك المتنافسون من القوى السياسية أنهم بخطاباتهم المتشنجة يشجعون الأرهاب والقوى المتطرفة على التمادي في جرائمها، واستثمار هذا المناخ كغطاء لضرب الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي؟ ...ومع ذلك تراهم كل يوم يرفعون سقفَ مطالبهم إلى حدود التعنت وتجاوز القانون الذي لا يرضاه أحد ولا يقبل به حتى المجانين، ويضعون شروطاً تعجيزية لإستمرار مشاركتهم في العملية السياسية والحكومة، وكأن السماء ستسقط على الأرض إذا لم يشاركوا فيها !.
ولهؤلاء ولغيرهم نقول: أما اكتفيتم من العبث بأمن الوطن، واللعب على أوراقٍ خاسرة؟.. فالوصول الى العدالة بمعناها التام ، والقضاء على الفساد، ومكافحة الفقر والبطالة وترسيخ الأمن، مسؤولية الجميع عموما والأجهزة الدستورية، رئاسة ومجلس نواب وقضاء وحكومة على وجه التخصيص، ولا يتم ذلك إلا بانتهاج السبل السليمة ديمقراطيا، بعد تحديد الأولويات التي من أهمها على الإطلاق تحييد الوطن عن أي خلافات، إذا لم يكن هذا التنافس من حيث المبدأ هو من أجل النهوض بالوطن وازدهاره ورفعة أبنائه، لا من أجل تمزيقه واعتباره غنيمة يتنافسون على من يظفر بالنصيب الأوفر منها.. فهل هم سامعون؟.
كلام قبل السلام: من لا يمتلك إلا مطرقة فقط، يعتقد أن كل ما حوله مسامير...!
سلام.....
https://telegram.me/buratha