عباس المرياني
المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف اقل ما يقال عنها أنها صمام أمان العراق وهذا التوصيف لم يأتي اعتباطا او من باب المجاملة او الخوف او الضحك على الذقون ولم تحصل عليه لأنها دفعت الأموال وقربت الكتاب والصحفيين وأجزلت العطاء لهذا وذاك كما ان هذا التوصيف لم يأتي من فراغ بل جاء مصداق لمواقف المرجعية في كل الأزمان والأوقات وفي كل الشدائد والصعاب التي تواجه العراق والعراقيين وكانت مواقف المرجعية الدينية العليا بعد عام 2003 هي القطب الذي دارت عليه أفلاك الدول والسياسيين والمنتفعين والانتهازيين فأسفر عن مواقف يصعب الوصول إليها لولا حنكة ودراية وصدق وإخلاص العاملين والمتصدين للعمل في هذه المؤسسة الإلهية.ولأنها حكيمة وتستوعب دروس التاريخ في كل زمان ومكان فلم تختلف مواقفها الوطنية اليوم عما كانت عليه قبل مئات السنين لشعورها بمسؤوليتها الشرعية والأخلاقية رغم مواقف الحكومات والممالك والامبراطوريات الطائفية وقد يكون في الخلاص من هذه المسميات متنفسا لطيف مهم من أبناء الشعب العراقي الا ان رؤية المرجعية اختزلت كل خطايا هذه الحكومات في الحفاظ على بيضة الإسلام ووحدة الصف.اليوم وقبل عشر سنوات وقفت المرجعية الدينية العليا موقفا مشرفا عندما تصدت الى مسؤوليتها في الحفاظ على ارواح الناس ورفضت الانتقام في وقت كان الشارع العراقي يغلي من الغضب وتعتريه رغبة عارمة في الانتقام وبدرجة تتساوى مع ما خلفه البعث من قتل وتهجير ومقابر جماعية الا ان صوت المرجعية ارتفع فوق كل الاصوات وحدد خطوط التعامل مع مخلفات المرحلة الماضية من خلال المنافذ الدستورية والقانونية وجاءت محاولة احراق العراق وجره الى حرب طائفية هي الاصعب والأخطر عندما أقدمت مجاميع إرهابية تأتمر بأجندات خارجية على جريمة تفجير المرقد المقدس للامامين العسكريين في سامراء ومع عظم المصيبة وتماسها المباشر بعقيدة مكون كبير ويمثل اغلبية الشعب العراقي جاء هنا دور المرجعية عندما دعت الى الهدوء وتفويت الفرصة على الاعداء وعدم الانجرار الى حرب طائفية تاكل الاخضر واليابس ومع كل ما حصل في أللطيفية والمدائن واحياء عديدة في بغداد وفي بلد والدجيل والعظيم وتلعفر وجميع المدن والقصبات من قتل على الهوية الا ان المرجعية اعتبرت هذه الدماء الطاهرة هي ضريبة التغيير وضمان وحدة العراق.اليوم تعود المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف للتدخل في تعديل مسار العملية السياسية وتنتصر لمكون طالما اتهم المرجعية الدينية بالعمالة والطائفية والانزواء والانغلاق غير عابئة بكل ما قيل وما يقال لان واجبها الشرعي وابوتها تحتم عليها ان تكون بمستوى المسؤولية رغم ان موقف المرجعية وانتصارها لحقوق ابناء الشعب العراقي لن يغير شيئا من مواقف هذا المكون كما ان المرجعية لم تتصرف بهذا المنطق لانها تنتظر وساما او كتاب شكر او تصفيق المخادعين،على الجانب الاخر فان من بين اكثرية ابناء الشعب العراقي من لا يلتزم باوامر المرجعية ويجعل توصياتها وتوجيهاتها وراء ظهره لكن ما ان تضيق الارض به يعود ليلقي احماله بساحة المرجعية مطالبها بحقوق لا يعرف واجباتها فيكون الرد بمستوى الفعل وبما يحقق مصالح الجميع لا ما يحقق مصالح النفعيين وعباد الكراسي فيقوم هؤلاء بالتصرف بطريقة لا تختلف عن تصرفات المناوئين لان هؤلاء تعرضت مصالحهم للخطر وهؤلاء يطالبون بان تكون المرجعية مفصلة بمقاس يتلائم وتوجهاتهم وهذا ما لا يمكن ان يحدث ابدا.لن تتاثر المرجعية بهذا الطرف ولا بذاك لانها بنت عزها ومجدها من خلال التعامل مع الوقائع بمنطقية وشمولية وابوة وهذا ما يجعلها تستمر بعطائها الكبير مهما حاول الاقزام النيل منها.
https://telegram.me/buratha