كم كان الشاعر الفرزدق متصالحا مع نفسه، صادقا الى حد الإفراط حينما نظر في المرآة وراعه قبح وجهه، فخرجت منه كلمات ما زالت توصف بأنها تمثل أعلى مستويات الهجاء في الشعر العربي، إذ قال حينها: تبا له من وجه وتبا لحامله..!..ولكي نحيط بالموضوع، يقول التاريخ أن الفرزدق وهو صاحب القصيدة المشهورة في مدح الإمام زين العابدين عليه السلام التي مطلعها:
يا سائلي اين حل الجـود والكـرم *** عنـدي بيـان اذا طلابـه قدمـوا
هذا الذي تعرف البطحـاء وطأتـه *** والبيت يعرفـه والحـل والحـرم
والفرزدق أسم شاع إستخدامه لشاعر من العصر الأموي، واسمه همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي، وكنيته أبو فراس، وسمي الفرزدق لضخامة وتجهم وجهه، وكلمة الفرزدق معناها الرغيف اليابس "المعنجر"....والمعنجر كلمة عامية عراقية كلكم تعرفون معناها..!
ولد الفرزدق في كاظمة "يعني الكويت هسه" لبني تميم...، اشتهر بشعر المدح والفخر وشعر الهجاء. قيل أن هجاءه "إيعور"..ولم يسلم من هجاءه أحد حتى أنه هجا نفسه، ولم يكن قد نظر في وجهه في مرآة، لأن المرايا فقط في بيوت الملوك والأمراء وأصحاب المليارات والذين بيوتهم على نهر دجلة في المنطقة الخضراء..!، ولكنه كان يعرف أن كنيته تنطبق أيما انطباق على دمامة وجهه، بيد أنه لم يكن يعرف مقدار هذه الدمامة، وحينما أتيح له لأول مرة أن يقف أمام مرآة في بيت من بيوت أغنياء زمنه، سارع لهجاء هذا الوجه وصاحبه فقال في نفسه ما قال...!
...إن هيئاتنا وصورنا ليست من صنعنا، فهي نتاج مورثات ورثها لنا آباؤنا وأمهاتنا بإرادة ألهية..لكننا ننظر الى قبح صورنا كسوأة، فنحاول دوما تجميلها بأي طريقة كانت..
وحده الفرزدق كان الأشجع من بيننا إذ "أعلن" أنه قبيح جدا، فـ "تب" صورته مثلما "تُب" ابي لهب وزوجته حمالة الحطب...
أقول هذا وأنا أتابع المشهد السياسي وتداعياته، وأتساءل بألم بالغ، أليست صورة هذا المشهد قبيحة الى حد أنها ومن في بروازها تستحق الـ "تب"؟..أوَ ليس لهذا المشهد صُناع قبيحون بقباحته ويستحقون الـ"تب"؟!..فعلام لا نَتُبُهم. ماداموا ليسوا بمثل فريد نوعه الفرزدق بالشجاعة يوم واجه قبح صورته بالتب .؟!
ليس من المنتظر من صناع المشهد السياسي الراهن أن يعترفوا بأخطائهم على الإطلاق، ولن يعترفوا، وسيأتي يوم يحملون الشعب أخطائهم!!! وهذا اليوم ليس ببعيد..إنهم فقط يفعلون ما يفعله الكثيرين إذ يكسرون المرآة حينما يرون صورتهم القبيحة، ومعنى هذا إنهم يحملون المرآة مسؤولية قبحهم...
كلام بل السلام: الشعب مرآة واسعة تعكس كل الصور جميلها وقبيحها، ولذلك يكسر الساسة هذه المرآة في كل لحظة...!
سلام...
https://telegram.me/buratha