زيد الحلو
ان للمرجعية الدينية في تاريخ العالم الاسلامي الدور المهم في قيادة الامة الاسلامية وعلى الخصوص شيعة أهل البيت (ع) بدأت من محاربتها للأحتلال الانكليزي وللفكر المنحرف الذي تغلغل في عالمنا وجهودها في موضوع الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب , والفهم الخاطيء لظاهر المرجعية الدينية بأبتعادها عن العمل السياسي المباشر وذلك لأختلاف مفهوم السياسة من عالم لآخر ومن هنا نأت المرجعية بنفسها طيلة عقود طويلة عن السلطة والتصارع عليها لحفظ استقلالية الحوزات العلمية وعدم البقاء تحت هيمنة الحكام خاصة .
وهذا لايعني مطلقاً ان المرجعية لم يكن لها رأي في الامور السياسية وتشكيل الاحزاب ولبعض العلماء دور واضح في تشكيل احزاب سياسية اسلامية كان لها تأثير على الساحة كالشهيد الصدر الاول وشهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (قدس الله سرهم) . ومن هنا تبرز القيادة الحكيمة والكفاءة الادارية للمرجع في التصدي لما يعتبره السياسيون مصدر القوة في القرار . وهذا ما لمسه الشعب العراقي خلال الاحداث التي مر ويمر بها البلد , فمنذ سقوط نظام الطاغية في العراق وما تبعه من احداث طائفية وتصفيات وبعد خلو البلد من اي قوة تنفيذية وتشريعية الا من القوات الامريكية التي تفاجئت بالدور الذي لعبته المرجعية الدينية في النجف الأشرف والمتمثلة بالسيد السيستاني وبقية المراجع العظام في اعاقة لمخططاتها .
فقامت بأصدار فتوى تمنع الانتقام من المسؤولين والاجهزة الامنية السابقة وان يلجيء الناس الى القانون والقضاء لأخذ حقوقهم ومحاسبة المجرمين وفتوى اخرى تمنع السلب لأموال ومؤسسات الدولة وتحرمه . وبعد ذلك دورها في انجاح العملية السياسية في العراق وتأكيدها على أجراء الانتخابات وبعد ذلك دورها في صياغة الدستور العراقي وكذلك موقفها في درء الفتنة الطائفية بعد احداث تفجير قبتي الامامين العسكريين في سامراء . وهذه الايام ونحن نعيش اخطر الازمات التي يشهدها العراق من مظاهرات شعبية كبيرة في معظم المحافظات السنية والتي كانت قضية حماية وزير المالية رافع العيساوي جزء من شرارتها ناهيك عن الاسباب الاخرى والتي طالبة بها المتظاهرون وما سببتها من تظاهرات في الطرف الاخر من المحافظات الشيعية والتي لست بصدد مناقشة سبب اشعالها , والتدخل السريع للمرجعية الدينية والكلمات التي نطق بها السيد السيستاني والتي اخرج منها البلد من فتنة كبرى كادت ان تعصف بالشعب العراقي والعملية السياسية برمتها , وماخلفتها من تصريحات غير مسؤولة ,
فبعد الرسالة التي اطلقها نائب رئيس الجمهورية (خضير الخزاعي) وتصريحات رئيس الحكومة من حل البرلمان والدعوة الى تشكيل حكومة طواريء وانتخابات تشريعية جديدة لايعرف متى يتم اجرائها فكان دخول السيد السيستاني على الخط ليقول لهم ( الى هنا وكفى ) ليسهم في وأد الفتنة التي كانت تنتظر الشعب , وكان ذلك خلال اللقاء الذي جمع بين نائب رئيس الوزراء (حسين الشهرستاني) والقيادي في حزب الدعوة (عبدالحليم الزهيري ) بنجل السيد السيستاني في دار احدالعلماء العظام في النجف الاشرف والذين لم يكونوا صادقين في كل ما نقلوه للمرجعية بقولهم ان جميع اطراف التحالف الوطني موافق على قضية حل البرلمان العراقي ظناً منهم ان المرجعية غير متابعة للأحداث الجارية اولاً بأول وقالت لهم ان هذا من الخطوط الحمراء لدى المرجعية الدينية وان ما نقلوه غير صحيح بالأضافة الى ما ابدته للوفد المرسل من عدم رضى وارتياح السيد السيستاني من الطريقة التي تدار بها البلاد وخلق الأزمات مع المكونات الاجتماعية التي تثيرها الحكومة وطالبة بألحاح شديد بتغيير نهج ادارة الدولة وحكم البلاد والا سوف يكون لها رأيٌ آخر .
وان الوفد لم يكن ايضاً صادقاً في ما أبلغتهم به المرجعية خلال لقائها بهم من أهمالهم لموضوع المحكمة الاتحادية وحملتهم في الوقت نفسه المسؤولية في التصويت عليه في وقت ان الاخوة في دولة القانون يعطلون مسألة التصويت عليه وهو من المطالب الملحة لمرجعيتنا الرشيدة لما لهذه المحطمة من دور كبير في حل وتفسير الكثير من القوانين المهمة والمبهمة احيانا . وجاءت كل تلك الآراء والتوجهات للمرجعية الدينية متطابقة مع آراء وافكار تيار شهيد المحراب والمتمثلة بسماحة السيد عمار الحكيم في الحلول الموضوعية للخروج من هذه الازمة ومن سابقاتها وانها ليست بالجديدة على هذا التيار كونه ينتمي لنفس خطى المرجعية الدينية فكراً ومنهجاً ,
فمنذ الولادة العسيرة للحكومة الحالية كان تيار شهيد المحراب ملتزماً بكل ما تقول وتوصي به المرجعية الدينية وهذا ادى الى ان يتنازل تيار شهيد المحراب عن الكثير من استحقاقاته الانتخابية ومن اهمها تقديم ممثلها الدكتور عادل عبد المهدي لأستقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية عندما طالبة مرجعيتنا الرشيدة من التقليص في المناصب الحكومية لما تحمل الدولة من كاهل كبير في الموازنة المالية , ناهيك عن المساعي الكبيرة التي قدمها ويقدمها السيد عمار في حل الكثير من المشاكل التي عصفت بالعملية السياسية كالوقوف ضد عملية سحب الثقة عن الحكومة لما يخلفه ذلك من أزمة خطرة في الوقت الراهن وكذلك في حلحلت الخلافات بين حكومة المركز وحكومة الاقليم وبعض الكتل ودعوته المستمرة الى الجلوس على طاولة الحوار .
كل ذلك دفعت الكتل السياسية ومن قبلها المرجعية الدينية الى تكليف السيد عمار الحكيم الى ترأس الاجتماع الوطني لقادة الكتل السياسية للوصول الى حل لهذه الازمة المعقدة , فمع كل هذه الثقة العالية التي حملوه بها وهو أهل لذلك وهذا ما أثبتتها مواقفه البناءة منذ بداية العملية السياسية وأثبت كذلك أنه ليس من الشخصيات الباحثة عن المواقع الرئاسية من خلال أعتذاره عن هذا الأمر لكنه في الوقت نفسه اكد ان للتحالف الوطني رئيساً يجب ان يأخذ دوره الغائب وغير الملموس في كل الاحداث والمشاكل التي تشهدها الساحة السياسيةعلى العكس من الدور الذي كان يلعبه عزيز العراق (قدس) في حل وأذابة جميع العقبات التي كانت تقف بوجه تقدم العملية السياسية عندما كان رئيس للأتلاف الوطني العراقي آنذاك.
ولكن عندما رأى السيد عمار عدم مقبولية شخصية الرئيس الحالي للتحالف الوطني من قبل بعض الكتل كالعراقية والتي قامت بالفعل بأبلاغ السيد الجعفري بذلك وانها لن ترضى به كوسيطاً , فلم يقف السيد الحكيم مكتوف الايدي فقام بتشكيل وفد لزيارة القائمة العراقية واقناعهم بالدخول في المفاوضات لحل الازمة وتم ذلك بالفعل الجميع بأنتظار ما تسفره هذه الحراكات . وهذا كان دوما ديدنهم (تيار شهيد المحراب) ومنهجهم في التعامل مع القضايا المهمة التي يشهدها البلد ولا يساومون عليه من اجل مصلحة فردية او يقومون بالاعتماد في بناء النفس على حساب افتعال الازمات واستغلالها او المتاجرة بالقضايا المصيرية .
هذه المصداقية في المواقف وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية ومصارحة الجماهير بأمانة جعلت من تيار شهيد المحراب ان يكون البوصلة الحقيقية للشعب وان كان ذلك لا ينفعه على المستوى الشعبي والانتخابي لكن مقتضى المسؤولية والرعاية الابوية التي جعلها على عاتقه من أجل مصلحة جماهيره وان كان اكثر الشعب لا يتفهم هذا الموقف لكن تيار شهيد المحراب يؤمن بتقديم المصلحة الوطنية العليا على المصالح الاخرى . وهذا يتطلب منا الالتفاف حول مرجعيتنا الحكيمة ومع من يسير على خطاها فكراً ومنهجاً ليسدد الله خطانا على الطريق الصحيح .
https://telegram.me/buratha