بقلم / عبد المنعم الحيدري.
الاحداث التي مر بها العراق في الايام القلية الماضية في المدن العراقية الانبار وصلاح الدين ونينوى تستدعي الوقوف عندها والكتابة عنها.ربما تريثت قليلا في الكتابة عن هذا الموضوع وذلك من اجل ان تتضح الصورة اكثر حتى اتمكن من تناول الموضوع بشكل موضوعي لا اميل به الى جهة ما.وقبل ان اشرع بكتابتي بودي ان ابين نقطة هامة وهي موضوع القيادة والقيادة هي ، ( فن التأثير بالآخرين ) ، سواء كان هذا التأثير في المجال السياسي او الاقتصادي او العسكري او حتى الامني وهذا التأثير يسبب بشد الاخرين نحو الرجل الذي يرونه صالحا لقيادتهم .لا مجال للمزايدة على وطنية الشعب كل الشعب العراقي الذي يمتلك تاريخا مشرقا ومشرفا ، لكن هذا لا يمنع من وجود البعض ممن يركب الموجة او ممن يرتبطون بالخارج كما هناك الكثير ممن لا يعلمون بما يدور في كواليس المصانع السياسية.ان الاحداث التي مر بها العراق في الايام القلية الماضية هي اشد واخطر ازمة مرت على العراق وذلك من حيث التخطيط الممنهج والذكي جدا لمن خططوا ورسموا لهذا التحرك الذي يبين لنا مدى ادراكهم الواعي في مجال علم السياسة وخصوصا في موضوع الازمة وأدارتها وهذا الذي يدفعني الى القول بأن التظاهرات لم تكن عفوية بل كان مخطط لها.كما ان الذين رسموا وخططوا لهذه التظاهرات كانوا يقصدون بها عملية تكتيكية تحقق لهم اهداف سريعة تصب في مصلحة استراتيجيتهم في المستقبل كما انهم نجحوا ايضا بأدارة هذه الازمة وحافظوا على زمام المبادرة.ان الذين خططوا لخلق هذه الازمة ارتكزوا على ثلاث نقاط جوهرية هي من مقومات التنمية السياسية لاي نظاما سياسي في اي دولة ومن خلالها يتمكن المراقب والباحث ان يكشف نجاح ذلك النظام من عدمه. وهي كالتالي.1. المساواة : لقد رفع المتظاهرون شعارات تشير الى مظلوميتهم مؤكدين فيها انهم لا يملكون ادنى حقوق المواطنة وبالتالي لا وجود للمساواة بين شرائح المجتمع العراقي مما يعطي انطباعا ان السلطة السياسية تتعامل بازدواجية وانها تتبنى مواقف مؤدلجة وهي بالتالي عاجزة عن تحقيق هذا المبدأ.2. التمايز او الفصل بين مؤسسات الدولة : حيث ان التظاهرات اتهمت السلطة التنفيذية دون بقية السلطات مطالبين اياها بتنفيذ طالباتهم التي تعم وتشمل السلطات القضائية والتشريعية وهذا يعني ان السلطة التنفيذية او الحكومة مهيمنة على بقية السلطات الاخرى وان مبدأ الفصل بين السلطات غير موجود في دولة بنيت على الحرية والديمقراطية وأساسها الدستور.3. القدرة : ان المتظاهرين قالوا ان هذه الحكومة التي هي جزء من النظام السياسي الجديد هي غير قادرة على ازالة الانقسامات والتوتر بين شرائح المجتمع كما انها عاجزة عن تلبية مطالب الشعب ولا تمتلك عدالة توزيعية وغير قادرة على مواجهة التغيرات التي تحدث. وهذا يعني عدم وجود القدرة اصلا في النظام السياسي الذي جاء بعد عام 2003 م وبالتالي لا قيمة له.ان وجود هذه المقومات الثلاثة تدلل على النجاح وان عدم وجودها يدلل على فشل النظام السياسي في كل دولة ، ان الرسائل التي اراد لها من خطط لهذه التظاهرات هي بالأساس رسائل وجهت الى الخارج وبناءا على هذا سوف تكون الخطوة اللاحقة الدعوة لتدخل الخارج بالمطالبة بتبديل النظام السياسي لكونه عجز عن تحقيق تلك المقومات التي جاء اصلا لأجلها.ان المتظاهرين يسيرون من حيث لا يشعرون وفق الخطة التي رسمت لخلق هذه الازمة والتي تعبر عن وجود عدة ازمات وليس واحدة ودلالات ذلك هو ما جرى في الوهلة الاولى من خلال تصرفات البعض المقصودة خلال الساعات الاولى من التظاهرات والتوقيت الدقيق لها.ولم يكتفي من رسم وخطط بهذا القدر من اظهار عجز الدولة بل ذهب الى اظهار الوجه الثاني من الصورة التي اراد بها ان يقول للمجتمع الدولي ان هناك عدة ازمات في العراق وذلك من خلال ما حملته التظاهرات من شعارات وتصريحات ورفع بعض الاعلام والصور التي ليس لها علاقة بالعراق ومن ثم الاعتصام وقطع الطريق وهذا يدلل على وجود عدة ازمات وهي كما يلي:اولا : ان بعض المتظاهرين رفعوا شعارات طائفية وهي لم تكن عفوية وهذا يعني ان هناك ازمة هوية فحينما لم يجد المواطن هويته الوطنية الجامعة سوف يذهب الى الهوية الطائفية. وبالتالي فأن هذا السلوك سوف يعطي انطباعا بأن هناك ازمة هوية في المجتمع العراقي.ثانيا : ان بعض المتظاهرين الغير عفويين قاموا برفع اعلام وصور ليس لها علاقة بالعراق وأجنبية وهذه اشارة بأن هناك ازمة للشرعية على اعتبار ان هؤلاء الذين تظاهروا في نسيج اجتماعيا واحد وجزء مهم من المجتمع العراقي لم يمنحوا الشرعية لهذا النظام السياسي الجديد مما يدلل على وجود ازمة الشرعية.ثالثا : صرح كل المتظاهرين انهم محرمون ومهمشون وتمارس ضدهم عمليات الاقصاء ولا دور لهم في البناء السياسي لهذا الوطن وهذا يبعث برسالة بأن هناك ازمة مشاركة في الحياة السياسية للعراق من قبل مكون اساسي ومهم.رابعا : ان المتظاهرين عمدوا الى الاعتصام عبر قطع طريقا مهم وحيوي للعراق ويربطه ببعض دول الجوار مما يعكس للمتتبعين والمراقبين ان السلطة السياسية عاجزة عن النفوذ في كل مكان في الاقليم العراقي وهذا يشير الى ان هناك ازمة تغلغل للدولة وانها لم تتمكن من صهر المجتمع عبر الاندماج الوطني .
ان هذه الحركة التكتيكية التي اراد من خطط لها بعد ان بعثت برسائلها الى الخارج بدأت بتحقيق اهدافها على مستوى الداخل خصوصا انها وضعت الحكومة بين فكي كماشة وهي اما ان تستجيب وأما ان لا تستجيب لطلبات المتظاهرين لكن الحكومة قد ادركت ووعت هذه اللعبة فأخذت الخط الوسطي بعد ان فككت تلك الطلبات ووضعت كل ضمن مسؤوليته وجعلت القانون والدستور هو المعيار ، كما تمكنت التظاهرات ان تحقق هدفا اخر وهو تراجع مقبولية المالكي لدى فئة واسعة من المجتمع الذي خرج الى ميادين التظاهر على حساب قيادتهم التي كانت تمثلهم سواء كانت في البرلمان او الحكومة ومن ثم اعادتهم الى الواجهة خصوصا ان العراق مقبل على انتخابات المجالس المحلية.وهنا اعود الى المقدمة التي ذكرتها حول القيادة وتأثيرها في المجتمع فحينما فقدت القيادات للمحافظات التي خرجت بالتظاهر تأثيرها على الشارع وامتداد نفوذ المالكي بتلك الساحة السياسية جاءت هذه الازمة لتقطع نفوذ المالكي في تلك الساحة لحساب القيادات التي لم تعد مؤثرة في قاعدتها الشعبية.وفي الختام اقول يسعدني ان تحقق السلطة السياسية كل مطالبات الشعب التي هي ضمن القانون والدستور وتجلب الرفاهية والسعادة ولكن ما يقلقني هو ان الرسائل التي بعثت الى الخارج وهل لها من تداعيات ؟ واضع ؤوالي برسم اولئك الذين سعوا بكل قوة الى تأسيس هذا النظام السياسي الجديد هل ادركتم غايات ومقاصد من خطط لهذه الازمة في المحافظات الغربية ؟ وما هو استعدادكم لتداعياته الخارجية بعد ان وصلت الرسائل ألمنشودة .
https://telegram.me/buratha