يستغرب البعض ثقتنا الكبيرة بالمرجعية, وطاعتنا لتوجيهاتها, ويزداد تعجبه حينما يرى مختلف شرائح المجتمع تحترم المرجعية بما في ذلك غير المسلمين فيزداد حيرة لما ترى عيناه وتسمع أذناه. وبدورنا نعذر هذا البعض الذي يعيب علينا هذا (الانقياد الاعمى) للمرجعية وسبب عذرنا له أنه يجهل ماتعنيه المرجعية, والناس اعداء ما جهلوا كما تقول الحكمة.
إننا حينما نقول ان المرجعية صمام أمان فإننا لا ندعي امرا خلاف الواقع. وحينما نقول انها الحصن الحصين عند الشدائد والمحن فإننا لانحابي ولا نبالغ.
فمواقفها الحكيمة وتاريخها المشرف يثبتان ذلك ويكفي القول ان العراق الحديث بحدوده الجغرافية الحالية مدين لمواقف المرجعية الدينية, اذ لولا اصرارها على عراقية مدينة الموصل لكانت تركيا ابتلعت هذه المدينة العراقية العزيزة والتي لاتزال _اي تركيا_ تتحين الفرصة لإبتلاعها ومدن عراقية اخرى, فوحدة التراب العراقي يعد امراً مقدسا للمرجعية, وما صدق على الموصل بالامس يصدق اليوم على كل مدينة عراقية بل كل شبر من ارض العراق فلن تسمح المرجعية بالتفريط بذرة تراب عراقية.
لقد جاد زعماء المرجعية بأنفسهم _والجود بالنفس اسمى غاية الجود_ للذود عن حمى الاسلام والعراق وترابه الغالي يوم قادت المرجعية حركة الجهاد وقدمت الفقهاء والمجتهدين قرابين في سبيل ذلك, ولم يقف العطاء المرجعي عند هذا الحد بل أزداد يوم أيدت المرجعية ثورة النجف وبعدها خططت للثورة الكبرى ثورة العشرين التي لولاها لما نال العراق سيادته واستقلاله, ولم تنكسر المرجعية ولم تتراجع عن مواقفها الوطنية حتى بعد ان تأسس النظام الوطني بدماء المراجع وتضحياتهم وتضحيات ابناء الشعب العراقي النبيل, بل تحملت بعد ذلك ولأجل العراق وشعبه النفي والابعاد,والتخوين والتهم والطعن بعراقيتها ووطنيتها على يدي عملاء الاحتلال الانكليزي السائرين في ركب السيربيرسي كوكس, اللاحِسين (قندرة) المس بيل, والسارقين لجهاد الفقهاء ودماء الشهداء, القولمنديين بقايا الانكشارية الذين سطوا على حكم البلاد وأساؤا للعباد, بعد ان ابعدوا الثوار عن ادارة الدولة بمساعدة اسيادهم الانكليز حتى قال فيهم الجواهري العظيم:
هم ألقحوا الأمر حتى إذا تمخض لم يجنه اللاقحُ
فيا جَبَرَ الله ذاك الكسير ويا خسر الصفقة الرابحُ
ومثلما المرجعية حريصة على وحدة التراب العراقي كذلك هي حريصة اشد الحرص على وحدة وسلامة الشعب العراقي بكافة تلاوينه, ودونك موقفها التاريخي العظيم من محاربة ابناء شعبنا العزيز في كردستان يوم ردت المرجعية بوعيها الوطني وحرصها الانساني على الدعوات العنصرية والفتاوى المأجورة لقتل الاكراد فكان ان تصدت المرجعية لهذه الفتاوى المنحرفة فأعتبرتها خروجا عن الاسلام, لان (دم المسلم على المسلم حرام), فأفتت بكل مسؤولية وشجاعة بحرمة قتال الاكراد على خلاف فتاوى وعاظ السلاطين, وشاء الله ان تكون كلمة المرجعية هي العليا وكلمة ابواق السلطان هي السفلى.
ولا يفوتني ان أُذكِر بكلمة المرجعية للمسيحيين العراقيين يوم خاطبتهم مطمئنة إياهم بالقول: (اننا قلقون على سلامتكم منذ عام 1933 ) في أشارة منها الى (مذابح الاشوريين) التي نفذها القائد العسكري بكر صدقي بقصد إبادة المسيحيين, وهاهي المرجعية تجدد حرصها على سلامة ابناء شعبنا النجباء من المسيحيين الذين اراد البعض بعقليته التكفيرية المريضة الفتك بهم وتشريدهم من ارض الرافدين, فحرمت الاعتداء عليهم او التعرض لهم , ودعت بكل قوة لحمايتهم وصيانة دور عبادتهم.
واما موقف المرجعية من بناء الدولة فكان واضحا كوضوح الشمس في رابعة النهار, حيث دعت لبناء دولة مدنية يحكمها نظام برلماني وتسودها شريعة القانون وبما لايتعارض وشرع الله, واشترطت حينها على الملك فيصل لمبايعته الالتزام بنظام دستوري مقيد ببرلمان منتخب انتخابا حقيقيا من الشعب وعدم الانصياع لسياسات الاحتلال البريطاني, وكررت الموقف ذاته في عام 2003 اي بعد ثمانية عقود حيث اصرت على بناء نظام سياسي ديمقراطي مدني بعيد عن املاءات الاحتلال الامريكي, واشترطت كتابة الدستور الدائم من قبل جمعية وطنية منتخبة وبأيادي عراقية خالصة .
ويوم اشتعلت شرارة العنف الطائفي عام 2005 كانت السباقة لوأد الفتنة, وافتت بحرمة الانتقام العشوائي, وحرمة اراقة الدم العراقي رغم الضغوطات الكبيرة التي تعرضت لها والانتقادات الشديدة لموقفها هذا, واصرت على ان لايقابل الدم بالدم, بل بفرض القانون وبناء دولة المؤسسات, واشاعة روح التسامح والمحبة والسلام.
وبقيت على ذات موقفها هذا في احداث سنة 2008 ودعت الى حصر السلاح بيد الدولة بإعتبارها المؤسسة الشرعية الوحيدة التي يحق لها حمل السلاح, مثلما اوجبت على الحكومة ولاتزال احترام المواطنين وصيانة حقهم في التعبير السلمي .
واما موقفها من الانتخابات فهو محل افتخارنا واعتزازنا يوم دفعت المواطنين الى ممارسة حقهم القانوني والشرعي في انتخاب ممثليهم لمجالس المحافظات وكذلك لمجلس النواب, واعتبرت اي تقاعس عن المشاركة بالانتخابات هو مضيعة لذلك الحق.
لقد فرضت المرجعية الدينية المباركة بمواقفها الوطنية والانسانية هذه احترامها على القاصي والداني, وكانت ولاتزال خيمة لكل العراقيين, وركنهم الركين في الملمات والنوائب, ولهذا كله نالت ثقة المواطنين بقضهم وقضيضهم والدليل على ما ازعم هو موقف العلمانيين من المرجعية واحترامهم لها وثقتهم بها, فاذا كان الاسلامي يطيع المرجعية انطلاقا من تكليفة الديني والعقائدي, فإن العلماني الوطني وثق بالمرجعية واطاعها ليس من هذا المنطلق بل لانه وجدها اهلا للثقة والطاعة .
وتأسيسا على ما تقدم فأن الموقف المسؤول للمرجعية المباركة تجاه الازمة التي تمر بها البلاد اليوم , ومبادرتها الوطنية التي طرحتها لحلها بأبوتها المعهودة, يبدو أمرا متوقعا من المرجعية التي عودتنا على التدخل في المنعطفات الخطرة للحفاظ على المصلحة الوطنية العليا, والمطلوب منا جميعا الانصياع والطاعة لمبادرتها لما فيه خير هذا الوطن.
يحق لنا كعراقيين إذن الافتخار بمرجعيتنا, فهي محل ثقتنا وموضع احترامنا لزهدها بالدنيا, وترفعها عن ملذاتها, وترابيتها, وحكمتها وقبل هذا وذاك اخلاصها لله وللشعب, وحرصها على سلامة الوطن ارضا وشعبا, فلهذه الاسباب نثق بها , فمرجعيتنا قيادتنا ومأوانا فبوركت من قيادة ومن مأوى.
1/5/13126
https://telegram.me/buratha