كيف نقارب ما يُجرى في العراق بعد سورية وبعد سلسلة طويلة أولها أبعد من أحداث تونس وآخرها لا ينبئ بخير لدول الخليج العربي، خاصة بعد اكتشاف خلية الامارات وبعد ما تسرب عن الجلسة السرية للبرلمان الكويتي؟
هل نحن أمام مالطا جديدة؟ أمام اعلان بريطاني جديد؟ أمام سايكس- بيكو جديدة؟
الخريطة مشدودة باستمرار على الطاولة، والأقلام الزرقاء والخضراء "اضيفت اليها الوان اخرى" لم تنفك تعمل عليها خطوطا تتطور اتجاهاتها مع كل معطى جديد ولا جديد في الجديد لأن كله يندرج ضمن عنوانين ثابتين: الثروات الطبيعية واسرائيل. غير أن الأولى تجلت هذه المرة في الغاز بعد أن كانت طويلا تتركز في النفط.
برلسكوني يقول أمس إن ما حصل في ليبيا لم يعدُ كونه التفافا فرنسيا على ايطاليا للحصول على الغاز الليبي، وفي أكثر من كتاب صدر مؤخرا في الغرب تفاصيل عن ترتيب موضوع غزو ليبيا بين قطر وفرنسا قبل أية انتفاضة شعبية في ذلك البلد. المهم أن البلد لم يكن المقصود بل غازه، سواء من قبل هذا أو ذاك.
المصادر نفسها تقول إن المخطط لسورية كان يستنسخ التجربة الليبية، لكن حسابات الحقل لم تتحقق على البيدر، ورغم الارباك الذي وقعت فيه السلطة في البداية، رغم التباطؤ في ادارة الأزمة نتيجة عقلية متكلسة لا تصلح لذلك، رغم انكشاف ضعف الحزب الحاكم والأجهزة الأمنية، الا أن الجيش العربي العظيم تمكن من تلقف الكرة، ومن صد الهجوم الشرس الدولي العربي، إن لم يكن قد تمكن بعد من دحره. وبالتوازي كانت الدبلوماسية تخوض معركتها بنجاح وتتصدى بتماسكلها لكل توقعات الانهيار. بالمقابل كانت المعارضة الوطنية العريقة، في الداخل والخارج تجسد صلابة نادرة في تمسكها بثوابتها الوطنية والقومية وفي عدم قبولها عروض الرشوة والارتزاق، وعدم خلطها بين معارضتها لنظام حكم وقبولها بتدمير الوطن ارضا وشعبا، فترفع شعارها الثلاثي: لا للعسكرة، لا للطائفية، لا للعنف. لم تنجح في تطبيق هذا الشعار ، وابعدها تآمر عربي- اوروبي عن واجهة الصورة السياسية لتحل محلها معارضة مأجورة مرتزقة لا تعنيها سورية الا بقدر ما يمكن ان تحمل لجيبها من منافع وما يمكن ان تؤمنه لها من الظهور في الاعلام . وغطت هذه المعارضة المفبركة المرتزقة العسكرية التي يحمل بعضها حقدا مذهبيا وجهلا ويحمل قادتها برنامجا معينا يعرفون كيف يخدمونه.
جوهر هذا الحلم سورية ضعيفة مهزوزة ينطبق عليه ما خلص اليه خبراء مركز بيغن -السادات في اسرائيل : " ليس المهم من يحكم بعد الاستنزاف ، لأن الدولة السورية تكون قد ضعفت وخطرها قد انتفى". لكن جوهر هذا الحلم خريطة فرنسية قديمة لا تزال في الادراج لتقسيم سورية الى دول ثلاث على أساس مذهبي ورابعة على أساس عرقي. خريطة لا تقبل بأن تكون حدود مفاعيلها سورية الحالية، وانما لا بد من مدها الى سوريا الطبيعية كلها، وعليه لا بد من العودة الى العراق، فاذا كانت سورية قد شكلت عائقا لنجاح تقسيم العراق في السنوات العشر الأولى من القرن، فان العراق الآن يشكل خط امداد لسورية يساعدها على الصمود، خط لا بد من قطعه، وأفضل السكاكين هي السكين المذهبية. ..حسنا ولكن اي نظام جاء بعد الاحتلال لم يكن فاسدا؟ فلماذا لم يدعم أحد غير سورية أي حراك احتجاجي أو مقاوم في السابق؟ مظلومية "السنة". حسنا ولكن ألم يكن العراقيون مظلومين منذ انطلقت طائرات الأمريكي من دول لتفرض عليهم الحصار ولتحتل بلادهم وتدمرها، فلماذا لم ترفع هذه الدول شرها عنهم بدلا من ان تغذي اليوم صبغ حراكهم باللون المذهبي، استكمالا لما عجز الاحتلال عن تحقيقه؟ أجل ان مطالب المتظاهرين حق، ولكن ما دخل مطالب المتظاهرين بجرائم ارتكبها شركاء الحكم؟ هل يكفي أن يكون المتجاوز سنيا ليغفر له لدى "السنة وشيعيا" ليغفر له لدى الشيعة؟ وهل يجوز أن يصبح طارق الهاشمي أو رافع العيساوي أو نوري المالكي ثمنا مبررا لتقسيم العراق؟ خاصة وأنه من المعروف علميا أن الانقسام تحت الاحتلال يكون أقل حدة لأن ثقل الاحتلال يوحد، لكنه بعد زواله الشكلي يصبح أكثر خطورة وعنفا. فهل على هذا راهن الامريكيون والغرب عموما بعد أن تركوا وراءهم قنبلة متواترة التفجر هي القنبلة المذهبية، التي ان التقت بقنبلة الفساد في بلاد رحبة الخيرات، وبقنبلة الاحقاد في ظل تاريخ سياسي عمّقها، كان الحصاد رهيبا.
8/5/13126
https://telegram.me/buratha