ربما سأم القراء والمتابعين من تكرار الكتاب تحذيراتهم من تعرض العراق لمؤامرة، وربما نحن في البلد الأكثر تداولا لنظرية المؤامرة..فمثل هذه الكتابات والمفاهيم قد جرى تداولها وبكثرة في العهد الملكي، وأعيد إنتاجها حينما تغير نظام الحكم من الملكية الى الجمهورية العراقية الفتية بقيادة الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم، والرجل لم يقل عن نفسه أنه أوحدا، لكن كتابا كثر تداولوها مثلما تداولوا نظرية المؤامرة على الجمهورية، ويوم أطيح بعبد الكريم في 8 شباط 1963 من قبل البعثيين وحلفائهم القومجية، قيل أن وراء ذلك مؤامرة أمريكية، بل حتى رجل البعث الأول فؤاد الركابي قال أن البعث جاء الى السلطة بقطار أمريكي...ويوم غادر البعثيين سلطتهم مكرهين في 18 تشرين الثاني 1964 بأنقلاب حليفهم عبد السلام عارف، كانت كتابات كثيرة تتحدث عن مؤامرة الردة التشرينية التي رعتها بريطانيا..!
وفيما يلي من سنوات عندما أعتلى البعث مجددا ظهور العراقيين في تموز 1968 كانت كتابات تشير الى أن وراء هذا الحدث المفصلي في تاريخ العراق مؤامرة أمريكية...ولما أطاح صدام برفاق عقيدته وعلقهم على المشانق في تموز 1979، كانت هناك أيضا مؤامرة أنكلو أمريكية هذه المرة...!
وعندما شن صدام أولى حروبه في 1980 ضد إيران، قال الكتاب البعثيين أن مؤامرة صهيونية وراء هذه الحرب لتمنع العراق من تحرير فلسطين، وأن إيران الأسلام وليس إيران الشاه حليف للصهيونية..بعد سنوات هاجم صدام الكويت ليعلن أصحاب نظرية المؤامرة أن الطريق الى القدس تمر عبر الكويت أولا..!..
وحينما ضرب التحالف الدولي بقيادة أمريكا صدام وجيشه والعراق كله ليخرج صدام من الكويت مدحورا، قالوا أن مشروع تحرير القدس عبر الكويت تم تأجيله بفعل المؤامرة الدولية التي حيكت ضد العراق قلعة الصمود والتحدي..! في 2003 كانت ألاستعدادات الأمريكية "علنية" وعلى نطاق واسع لشن هجوم لغزو العراق وإزاحة صدام من خارطة الوجود، ومع ذلك كان ثمة من يكرر فكرة المؤامرة ونظريتها...!
الذي نفهمه ومن الأصل اللغوي لكلمة المؤامرة، أنها مشتقة من مصدر "آمر" . وهي على العموم حركة سرية ضد شخص أو أشخاص ، أو ضد الدولة ، أو ضد الحكم القائم فيها .أو أنها مكيدة للقيام بعملٍ معادٍ إزاء حكم أو بلد أو شخص ما ،يدبِّره أشخاص "خفيةً" ويصمِّمون على تنفيذه ضدّ شخصٍ أو مؤسّسةٍ أو أمن دولة " اكتشف مؤامرة كانت تُحاك ضدّه ، - على الرغم من المؤامرات التي حيكت ضدّه فقد نجا ". ويقال حاك مؤامرة ونحوها: دبّرها وخطّط لها " كانت الدسائسُ تُحاك حوله - حاك الخطّة ببراعة ".
وفي المصطلح السياسي فإن المؤامرة تعني: تخطيط وتنفيذ لأغراض ليست شرعية وفي سرية تامة . والحال أن ما يجري اليوم في العراق وما "يحاك" ضده، ليس مؤامرة البتة ولا ينطبق عليه أي من توصيفاتها...أنه عمل ممنهج وعلني لا يستهدف الحكومة بل يستهدف العراق شعبا ووجودا..
ومع ذلك نسمع من ساسة أحاديث عن المؤامرة ونظريتها..!
كلام قبل السلام: بين إعتناق نظرية المؤامرة وتبرير الفشل والهزيمة حبل متين..!
سلام...
https://telegram.me/buratha