القاضي رحيم حسن العكيلي
اثيرت مؤخرا من جهات متعددة مسألة امكانية او عدم امكانية قبول ولاية ثالثة لرئيس مجلس الوزراء، فهل يجيز الدستور تولي الشخص نفسه منصب رئيس مجلس الوزراء لاكثر من مرتين؟حدد الدستور ما يشترط فيمن يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء بالاحالة الى ما يشترط برئيس الجمهورية، بموجب البند (اولا) من المادة (77) من الدستور التي نصت (يشترط في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في رئيس الجمهورية)، فما هي شروط رئيس الجمهورية؟نصت المادة (68)من الدستور (يشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية ان يكون: اولا، عراقيا بالولادة ومن ابوين عراقيين. ثانيا، كامل الاهلية واتم الاربعين من عمره. ثالثا، ذا سمعة حسنة وخبرة سياسية ومشهودا له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والاخلاص للوطن. رابعا، غير محكوم بجريمة مخلة بالشرف.)فهذه المادة هي النص الذي حدد فيه الدستور شروط (المرشح لرئاسة الجمهورية)، واوجب توفر اربعة شروط ليس من بينها ما يوحي بالمنع من الترشح لولاية ثالثة. وهذا هو السند القانوني الذي يستند اليه القائلون بجواز ترشح رئيس مجلس الوزراء لولاية ثالثة. فلا توجد - عندهم- شروط على منصب رئيس مجلس الوزراء غير ما ورد في هذه المادة، اي انهم لا يعترفون باي شروط اخرى ولو وردت في نصوص اخرى في الدستور نفسه.فاصحاب هذا الرأي يتمسكون بالمعنى الضيق لكلمة (الشروط) فيصرون على حصر الشروط فيما ورد في المادة (68) من الدستور التي تحدثت عن شروط (المرشح لرئاسة الجمهورية) باعتبارها هي المقصودة بالشروط المطلوبة فيمن يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء، ويرفضون اضافة اي شرط اخر ولو ورد في الدستور في نص اخر.الا ان هذا الرأي محل نظر، فالبند (اولا) من المادة (72) من الدستور التي نصت (تحدد ولاية رئيس الجمهورية باربع سنوات، ويجوز اعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب) جاءت بشرط اخر في رئيس الجمهورية هو ان لا يكون قد رأس الجمهورية لمرتين سابقتين. فهذا شرط اخر في رئيس الجمهورية نص عليه الدستور ايضا خارج المادة (68) المذكورة، لا يجوز -بموجبه - شغل الشخص نفسه منصب رئيس الجمهورية الا مرتين اثنتين فقط، اي لا ولاية ثالثة لرئيس الجمهورية، وذلك يعني - بداهة - ان لا ولاية ثالثة لرئيس مجلس الوزراء، ما دام رئيس مجلس الوزراء بنفس شروط رئيس الجمهورية.لا بد من الاخذ بالمعنى الواسع لكلمة (الشروط) التي اشارت اليها المادة (77/ اولا) من الدستور، فتكون شروط رئيس الجمهورية مطلوبة فيمن يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء اينما وردت في الدستور، ولا يقبل حصر الشروط فيما ورد في المادة (68) من الدستور فقط، لان الاخذ بالمعنى الضيق لها (اي لكلمة الشروط) وحصر معناها بما جاء في المادة (68)فقط تبعيض للدستور، واخذ بعضه وترك البعض الاخر، وهو محاولة لتفسير الدستور بطريقة من يأخذون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.الحقيقة ان الفلسفة - وراء المنع من تكرار تولي المنصب الرئاسي للشخص نفسه لاكثر من مرتين -تبغي تحقيق غايات كثيرة، اهمها اثنتين: الاولى هي الحيلولة دون استيلاء شخص ما على الحكم واستمراره به كدكتاتور مستبد متسلط، اما الغاية الثانية هي المنع من ترهل اعلى مسؤول تنفيذي في منصبه بما يجعله محاطا بحلقة من المصالح الفاسدة وبحلقة من المنتفعين والانتهازيين، وهذا الفلسفة - في النظام السياسي في العراق اليوم - تنطبق على رئيس مجلس الوزراء اكثر من انطباقها على رئيس الجمهورية، فالأولى تقييد رئيس مجلس الوزراء بذلك ، لانه الحاكم الفعلي للبلاد الذي يتصور منه ان ينفرد بالحكم ويستولي عليه ويصادر ارادة الشعب، فهو الرئيس على الوزراء وعنده مفاتيح السلطة التنفيذية كلها وبيده اموال الدولة ومواردها الاخرى وعقودها ومشاريعها، وهو القائد العام للقوات المسلحة، وهذه سلطات خطرة جدا، اذا ما وضعت في شخص لا يؤمن بالتداول السلمي للسلطة ولا بمبادئ الديمقراطية، فانه من السهل عليه الاستيلاء على السلطة، ومصادرة الحريات او شرائها اذا شاء، خاصة في عراقنا العزيز الذي يزخر بكم لا بأس به من القانونيين المستعدين لتخريج كل ما يريده الحاكم ولو بدمار الشعب والوطن وبخرق الدستور والقانون ومصادرة الحريات والمبادئ مقابل بعض فتات الرواتب والمميزات والمناصب. لذا فان منع الولاية الثالثة لرئيس مجلس الوزراء- بهذا المعنى- اولى من منع الولاية الثالثة لرئيس الجمهورية.يضاف الى ذلك ان المادة (68) المشار اليها - التي يستند اليها اصحاب الرأي بجواز الولاية الثالثة لرئيس مجلس الوزراء - تحدثت عن شروط (المرشح لرئاسة الجمهورية) وليس شروط (رئيس الجمهورية) اذ قالت (يشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية) ولم تقل (يشترط في رئيس الجمهورية). في حين ان المادة (77/ اولا) اشترطت في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في(رئيس الجمهورية) وليس ما يشترط في (المرشح لرئاسة الجمهورية) اذ قالت (يشترط في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في رئيس الجمهورية) ولم تقل (ما يشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية)، لذا فأن الشروط الاربعة الواردة في المادة (68) هي شروط(المرشح لرئيس الجمهورية)، وهي تعد بعض شروط (رئيس الجمهورية) وليس كلها، يضاف اليها- كشروط مطلوبة في رئيس الجمهورية ومن بعده رئيس مجلس الوزراء - ما ورد في نصوص الدستور الاخرى من شروط، منها عدم الولاية لاكثر من مرتين. فهناك فرق بين شروط (رئيس الجمهورية) المطلوبة نفسها في رئيس الوزراء، وبين شروط (المرشح لرئيس الجمهورية) التي نصت عليها المادة (68) من الدستور.والنتيجة النهائية فانه يشترط - وفقا لاحكام الدستور - فيمن يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء ان لا يكون قد شغل المنصب لمرتين سابقتين. ولا يجوز ان يتولى الشخص نفسه منصب رئيس الوزراء لاكثر من ولايتين، اي لا ولاية ثالثة لرئيس مجلس الوزراء.ولا بد ان ننبه هنا الى ان اخطر ما في تفسير - من قال بولاية ثالثة لرئيس مجلس الوزراء - للدستور هو ان ذلك يعني ولايات غير محدودة لرئيس الوزراء، فلا تقف عند الولاية الثالثة، بل يصح - بالاستناد الى رأيهم هذا - ان يأخذ ولاية رابعة وخامسة وسادسة ... الخ، وهذا يقضي فعليا وبشكل نهائي على مبدأ التداول السلمي للسلطة، لانه يهيء الارضية الصالحة للاستيلاء على الجهة المعنية باجراء الانتخابات، ثم تزوير الانتخابات لاحقا لمصلحة ذلك القائد الضرورة الذي لم تنجب الامهات مثله ليستمر في الحكم مدى الحياة بولايات لا حد لها.والاخطر من ذلك، تمادي اصحاب هذا الرأي الى حد قولهم (ان مجلس النواب لا يستطيع بسلطته التشريعية تقييد ذلك بقانون - اي لا يستطيع تشريع قانون يقيد ولاية رئيس مجلس الوزراء بولاتين - ما دام الدستور لم يقيد ولايات رئيس مجلس الوزراء بولايتين كما فعل مع منصب رئيس الجمهورية) وهذا اغرب رأي قانوني سمعته!ان مجلس النواب بما له من سلطة التشريع يتحرك لتشريع القوانين في كل ما لم ينظمه الدستور، اي انه يتحرك في الفضاء الواسع الذي لم يتعرض له الدستور، بشرط وحيد هو ان لا يخالف احكام الدستور، فمجلس النواب يستطيع ان يشرع ما يشاء من القوانين المقيدة او المنظمة او المنشئة للحقوق او السالبة لها، وليس من قيد عليه سوى ان لا تكون احكام قوانينه متعارضة مع احكام الدستور، وبما ان الدستور لم يقيد ولاية رئيس مجلس الوزراء بولايتين فقط - على حد رأي من قال بذلك - فيمكن لمجلس النواب ان يقيده اذا شاء.وهذه من البديهيات التي لا تحتاج الى فتوى.ومع ذلك فان الدستور قيد - بما لا يقبل الشك - ولاية رئيس مجلس الوزراء بما لا يزيد عن اثنتين، بدلالة تقييده ولاية رئيس الجمهورية، ولا يحتاج مجلس النواب - من وجهة نظرنا - الى اصدار تشريع بذلك، الا اذا اراد قطع الطريق على الداعين الى خرق الدستور بحرف تفسيره الى غير ما تشير اليه احكامه الصريحة في هذه النقطة.الا ان القول الفصل في هذه النقطة - اي في قبول ولاية ثالثة لرئيس مجلس الوزراء - يبقى للمحكمة الاتحادية العليا بما لها من سلطة تفسير الدستور.
https://telegram.me/buratha