منذ أن نزع أتاتورك طربوش الأتراك عنوة، وألبسهم قبعات أوربية ، وخلال زهاء قرن من الزمان ولغاية الساعة وربما إلى قيام الساعة، لن تقبل أوربا أوراق اعتماد تركيا العلمانية كعضو في الهيكلية الأوربية، وعلى الرغم من أن الترك صنعوا الكثير كي يبدون في عيون الأوربيين وكأنهم منهم أو مثلهم على الأقل، إلا أن أوربا لم تتجاوب مع مساعيهم، ليس لأن تركيا لا تقع جغرافيا في أوربا، بل لأن الأتراك مسلمين، وهذا هو السبب الأوحد وليس سواه، لعدم قبول الاتحاد الأوربي عضوية تركيا فيه، فأوربا مسيحية وليست راغبة بصداع إسلامي على حد تعبير عضو البرلمان الهولندي هايدر...!
الغرب يريد من تركيا أن تحمي جناحه الجنوبي، ولذلك قبلها عضوا في حلفه العسكري، وهي عضوية وفرت له قواعد جوية مهمة وقوية في الخاصرة الجنوبية لروسيا، وقريبة جدا من إسرائيل القاعدة الأهم للغرب في الكرة الأرضية..
الغرب مع ذلك بقي غير راغب بأن تتسع علاقته مع تركيا أبعد من هذا المقدار عسكريا، وسمح فقط للعمالة التركية بالعمل في الأعمال الشاقة في أوربا، ومع ذلك بقيت قيادات تركيا العلمانية تطمح بأن يقبلها الغرب على أنها جزء منه..لكن الغرب مثلما قلنا كان يطبخ حصى على نار هادئة.! مرة يقول للقادة الأتراك أن قبولكم يتطلب توفر معايير لم تبلغوها بعد، ومرة يطالبهم بمزيد من الديمقراطية على نسق ديمقراطيته، ومرة يدفعهم لتوثيق علاقاتهم مع إسرائيل كإثبات لحسن النوايا، وفي كل مرة كان القادة الترك يفعلون ما يطلبه الغرب منهم وزيادة، لكن الغرب يماطل ويطالب بالمزيد...
وكي يشغل تركيا بموضوع أكثر أهمية وسعة من موضوع الانضمام للإتحاد الأوربي ، عمل الغرب على تغيير نظام الحكم في تركيا من العلمانية القحة، إلى نظام إسلامي .!.. وبدا ألأمر غريبا لأول وهلة أن الغرب يدفع الترك نحو النظام الإسلامي الذي هو بالحقيقة نقيض للعلمانية التي يتبناها الغرب.
فك أزرار قميص إسلامية النظام التركي الذي يتزعمه أردوغان، تكشف عن وشم منقوش على صدره أنه إمتداد إستنساخي للفاتح العثماني القديم، وهو إمتداد مفيد للغرب ما دام يحول بوصلة تركيا نحو "مستعمراتها" العربية القديمة!..فالنظام "الأسلامي" الأردوغاني مازال يعيش بعقلية الفاتح العُثماني القديم يُحاول فك طلاسم الأبواب الموصدة، وإن أدت تلك الأبواب إلى تلغيم الشُعوب وتفخيخها، والفاتح الجديد يتبنى نشر نمط جديد من الإسلام السياسي المُسيل للعاب مشايخ الخليج ..
الأسلام الجديد والذي تدعمه تركيا، قدم مصاديقا معلنة في كل من الخليج ومملكة آل سعود و تونس وليبيا ولحقتهم مصر، وهو إسلام مفطور بين سواطير التكفيريين وعلمانية الدين والدولة! وإنها لمفارقة هذا التعايش والتوائم بين متناقضات لا تشبه بعضها البعض البتة..! حاكم مستبد يطالب بالديمقراطية لشعوب أخرى، وإسلامي متشدد يعيش في كنف نظام حكم علماني ليس بينه وبين الإسلامية إلا بطاقات الأحوال المدنية، ودعاة حقوق الأنسان يجهزون السواطير "لإخوانهم" التكفيريين...!
كلام قبل السلام: لا تشكل أكوام الحجارة بيتا، ما لم يأت من يرتبها لتصبح كذلك، ويتعين أن يكون ترتيبه ملائما لقصد أن تكون بيتا وليس سجنا!..
سلام.....
https://telegram.me/buratha