صالح المحنّه .
عندما إنطلق مايسمى بشباب الفيسبوك، من طلاّب الجامعات و الثانويات ،ومن أجيال عريضة مهمّشة من الشباب العاطل، ومن جموع الغلابة التي تعاني من الكبت والحرمان وضغط الحاكم المستبد ، تلك الجموع التي كانت تعيش تحت وطئة اليأس وخيبة الأمل ، ولم يكن لأحدهم طموحٌ أقصى من التفكيربالفرار من سجنه الذي يُسمى وطن، الى أي بلدٍ مما يُطلق عليها ببلدان الكفّار، علّه يجد فيه إنسانيته المفقودة ويمارس فيه حياته التي وهبها الله له كما يتمنى ويريد هو، غير خاضع لسلطة أحد، تجمّعت هذه الجموع وتوحّدت كلمتها لمّا بلغت المعانات أشدها لديهم ، وتكدست أوجاعهم وتراكمت همومهم حد الأنفجار ، حتى وحّدت أصواتهم ولأول مرة ، لتنطلق ثورتهم معلنةً ساعة الصفر، فتحطّمَ جدار الصمت الرهيب أمامهم ،وتكسّرَ حاجز الخوف ، الذي كان جاثماً على تفكيرهم حتى تصوّرا النظام كالجبال الرواسي التي تتحطم عندها جماجم المعترضين والمعارضين، ولكن ماإن بلغ سنا غضب الشباب سفح هذه الجبال، حتى تهاوت تلك الصورة الصنمية ، وأكتشف الجميع بأن هذه الجبال ما هي إلا وهماً من العهن المنفوش كان اسمه الخوف، تعالت الصيحات ، وتوقّفت الحركة العامة في كل الميادين ، ولايُسمع إلا صوت واحد قد تحول الى إنشودة ( الشعب يُريد إسقاط النظام ) أستجاب لهم القدر، وفرَّ رأس النظام في تونس،وأستنسخ الشعار في مصر فسقط النظام ، والى ليبيا فقتل الرئيس ، ثم اليمن تسلّل من نفق تبرّع الخليجيون بفتحه له من الباب الخلفي ، وفي سوريا لازال يقاوم ، والى البحرين أختلف الأمر وأرتدَّ الشعار معكوساً ، النظام يريد إسقاط الشعب !!، ولعل افضل وأول شعار يتفق عليه الشباب العربي ويتحقق على أرض الواقع، هو الشعب يريد أسقاط النظام، بعد أن انهارت منظومة الشعارات القومية والبعثية والأمة العربية الواحدة ، وتحولت الى مهزلة ومسخرة لدى المواطن العربي،لأنها من إنتاج الحكومات العربية الكاذبة ، ثورة الشباب العربي التي رفعت سقف مطاليبها الى أقصاها ، ونادت بإسقاط النظام ،أُطلق عليها الأعلام العالمي والعربي مسمّىً (الربيع العربي) .ولعلّ هذه التسمية جاءت مطابقة تماماً الى واقع حال الثورات العربية ...فلا ربيعٌ دائم ..وإن دام فلا مقاومة له وصمود أمام الدّواب الذي كان يختبيء تحت عباءة الدين، وهذا مالاقته وتلاقيه ثورات الربيع العربي الفتية ، حيث أصطدمت بدابّة التطرّف الأسلامي الذي لم يحسب له الشباب حساباً ، عندما تهاوت الأنظمة الشمولية أمام بركان ثوراتهم ، كانوا يعتقدون أن احلامهم وآمالهم مرهونٌ تحقيقها برحيل تلك الأنظمة ، عندها تتحقق المعجزة والأمل الذي طال إنتظاره ، ، كان يتوقع الثوار أن مشاكلهم ستنتهي بنهاية الأنظمة الديكتاتورية ، وأن الأهداف التي أفترشوا الساحات والشوارع وتركوا أعمالهم من أجلها ، ستتحقق لهم ماأن يترك السلطان قصره ، ولم يخطرْ ببالهم ويطرقْ ذهنهم أن قرانصة التطرف ومزيفي الحقائق كانوا لهم بالمرصاد ، وأنَّ دابّة الأخوان والسلفيين ستكون الصخرة التي تتحطم عليها أحلامهم وتقضم نبتةَ ربيعهم ، لم يفاجيء العالم بما وصل اليه الأمر في دول الربيع ، لأن السقوط السريع للأنظمة أمام حشود الثوار غير المنتظمة ، أعطى الفرصة ألكبيرة للذين أمتهنوا حرفة التدين السياسي وأفتوا وحرّفوا الشريعة لتتماشى ورغباتهم ومصالحهم ،وهم لايقلّون إستبداداً وظلماً عن الأنظمة السالفة ، بل تجارتهم أبخس ممن سبقهم ، فأذا كان النظام الديكتاتوري قد فرض قوانينه الصارمة ، وأحكم سيطرته على شعبه بالنار والحديد ،فما كان يدّعي أنه خليفة الله في الأرض ، ولم يستمد قوانينه من فكر ديني ، مثلما يدّعي اولئك المتطرفون والمتشددون خلافة الله في الأرض ويستمدون حكمهم من السماء ، وهم بشهادة كل الرسالات والأديان لايمثلون إلا مصالحهم ولاعلاقة لهم بخلق ومباديء أصحاب الرسالات السماوية ، وماهذا الأنفلات الأمني والقلق والرعب الذي تعيشه شعوب الربيع العربي إلا دليل ونتيجة طبيعية لعبث هذه الجماعات المنحرفة التي تدّعي الوراثة والخلافة الدينية في الأرض ...
https://telegram.me/buratha