نجاد لم ينزل بجيش جرار لتشييع مصر!
قبل أن تقرأ: أعلم أنك ستتوقف عند منتصف سطور هذا المقال، وتتهمني بأنني شيعي ومزقوق وقابض من إيران، وأملأ جدران حجرتي بصور الخميني وخامنئي، وسيدنا الحسين، وهو يدمى على أرض كربلاء، ولهذا دعني أوفر عليك المشوار ليس بنفي اتهاماتك فقط، بل بالتأكيد على أنها لن تفرق معي.
يبدو أنك قررت أن تستكمل القراءة، إذاً تعال نبحث سويا عن شيء ما يفسر لنا كل هذا الخوف من الشيعة؛ وكأننا نتحدث عن تتار جدد لا قبل لنا بمواجهتهم؟ لماذا تفرغ جميع الشيوخ والقيادات السياسية للأحزاب الدينية لمواجهة زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد كأنهم يواجهون الطاغوت الأكبر أو زعماء إسرائيل؟ لماذا فرح الجميع بما تعرض له رئيس دولة إيران من محاولات ضرب وإلقاء أحذية وهتافات مضادة؟ وكأن كل حديث أو تعاليم دينية نبوية عن حسن استقبال الضيف وإكرامه وضمان أمانه ليس لها وجود؟
لماذا سقط الجميع فى الفخ الذي تنصبه الدول العربية وأنظمتها الحاكمة؛ وجندوا أنفسهم وصحفهم وفضائياتهم للتحذير من وحش مخيف يقولون: إن اسمه المد الشِّيعي؟ كيف وجدوا فى أنفسهم شجاعة الهجوم على نجاد والمطالبة بمنعه من زيارة ميدان التحرير ولم يجرؤ شيخ منهم أو قيادي في أي حركة أو حزب ديني على أن يطلب منع السفيرة الأمريكية من زيارة الميدان وتفقده فى كثير من الأحيان! لا أرى أي سبب لحالة الهوس التي تسيطر على مصر وكأن أحمدي نجاد نزل إلى مطار القاهرة وخلفه جيش مسلح لإجبار مصر على التشيع والتنازل عن دورها الإقليمي في المنطقة.
ولا أرى أي عقل أو منطق في هذا الهوى العنصري الذي يخيل لشيوخ التيار السلفي والقيادات السياسية أن مصر تمتلك حق التطلع لريادة العالم والمنطقة بينما تفكير أو سعى إيران نحو هذا الطموح عيب وحرام وجريمة، نفس الأمر ينطبق على الشيوخ ورجال الدين الذين يدفنون رؤوسهم فى الرمال ويتجاهلون كمية السباب والشتائم التى يتعرض لها المذهب الشيعي والشيعة فى الفضائيات الدينية المصرية بينما هم يملأون الدنيا صراخا وعويلا بأن الشيعة يسبون أهل السنة وينتقدونهم ليل نهار.
كان منطقيا أن أتفهم حالة الغضب من زيارة الرئيس الإيراني بسبب موقف طهران السياسي مما يحدث فى سوريا، ولكن أن يصبح الغضب من زيارة نجاد شعاره أن الرجل قادم إلى مصر من أجل الترويج للمذهب الشيعي فهذه هى الكوميديا بعينها، فأى تهمة فى ذلك إن كانت طهران تفكر فى ذلك؟!
وأى رعب من ذلك إن كان يحدث؟! وهل يعني هذا أننا نشك فى هشاشة ما نؤمن به نحن الأغلبية لدرجة تدفعنا لأن نصاب بكل هذا الهوس من أقلية تنتمي لنفس الدين؟ هل تقلقنا قنبلة إيران النووية التي لم تولد بعد ولا ترتعد قلوبنا خوفا من مئات القنابل الإسرائيلية المخزونة قرب حدودنا؟ الأسئلة كثيرة ومربكة وبلا إجابات إلا أن هناك شيئا آخر غير المذهب الشيعي والوتر الديني الذي تعشق حكوماتنا العربية العزف عليه، هو الذي يحرك كل هذا العداء تجاه إيران والشيعة كلهم. شيء آخر قد يجعلنا نستيقظ صباحا على مذبحة دموية أمام العتبات المقدسة يروح ضحيتها كل من ذهب ليتبرك بالحسين أو يكنس السيدة زينب على اعتبار أنه واحد من المروجين للمذهب الشيعي؛ أو يجعلنا نسمع عن طوفان من الدماء لأهل السنة فى طهران بتهمة الترويج للمذهب السني، لا تصدق هؤلاء المتصنعين للغضب من زيارة أحمدي نجاد ولا تدعهم يتلاعبون بعقلك، فالشيعة ليسوا جراداً جاهزا لأكل الأخضر واليابس، هم مثلك أناس آمنوا بربهم، وصدقوا بنفس رسولك، وربما يكون أحدهم زميلا لك فى العمل أو جاراً لك فى السكن. فليعبد أحمدي نجاد ربه بالطريقة التى يحبها، ولتسيّر إيران أمورها على المذهب الذي تريده، ولتكن مصلحتنا فقط هي الخط الأحمر الذي نحدد عليه من نكره ومن نحب، ووقتها سندرك أن المد الذي يثير القلق والرعب عن جد، قادم من هناك حيث يجلس نتنياهو بصحبة ليبرمان فى تل أبيب لا من حيث يجلس حسن نصر الله فى جنوب لبنان، أو يقف نجاد فى ساحات طهران!
21/5/13209
https://telegram.me/buratha