بقلم: نائب رئيس الجمهورية المستقيل عادل عبد المهدي
في منتصف كانون الاول 1978 غادرتُ قاعدة "ناوزه نك" (بشدر/ السليمانية) متوجهاً الى طهران. ودّعت ابو شلال (الرئيس الطالباني شافاه الله) وبقية الاخوة كمحمود عثمان ونوشيروان مصطفى وفؤاد معصوم وعادل مراد..
وكذلك اخوة وافاهم الاجل كعمر مصطفى (دبابة) ورسول مامند وكمال خوشناو رحمهم الله. عبرنا الحدود العراقية- الايرانية سراً مع مرافق ...وحصان جبلي واتجهنا الى "مهاباد" المدينة التي اعلنت فيها "جمهورية مهاباد" (1946).. واستغرقت الرحلة 3 ايام نسير نهاراً وسط ثلوج، تصل احياناً لمنتصف قامتنا، ونبيت ليلاً في بيوت الفلاحين.
اخذت الحافلة الى طهران.. دوائر الدولة والمطار والكثير من المرافق والمصالح معطلة وكأنها تعلن موت النظام الشاهنشاهي.. اما الشوارع فكانت حية تنبض بالجماهير والحركة مبشرة بولادة النظام الجديد. كان الامام الخميني (قدس سره) يلهم الناس من "نوفل لو شاتو"، ويقود الثورة بمفاهيمها وشعاراتها، ويوحد صفوف الشعب ويعبئه ويحاصر الشاه ومخططاته، ويغلق عليه المنافذ كافة.. فالشعب الايراني شعب منظم وواع. الشباب في حلقات يناقشون شؤون الثورة ومستقبلها..
والمظاهرات الحاشدة تخرج دون ان تدمر وتحرق.. والشابات والشبان يحاورون الضباط والجنود، ويتسلقون الدبابة ليضعوا على مدفعها وردة لتحييد طاقمها. ومع الليل تتعالى صيحات "الله اكبر" من شرفات واسطح البيوت وكأن طهران كلها مأذنة واحدة.
وفي شباط 1979 يعود الامام ليعلن انتصار الثورة واعلان الجمهورية الاسلامية.. لتشكل نقطة فاصلة في التاريخ. كانت تلك اولى الثورات التي لم تقلب موازين سايكس بيكو فقط، بل قلبت موازين القوتين العظميين والعالم ايضاً.. واعلنت بلا لبس او مراوغة ان المنطقة قد تحركت للدخول كوزن مستقل بذاتها. فمنطقة بعظمة منطقتنا لا يمكنها ان تكون مجرد تابع او ملحق في معادلة بريطانية/ فرنسية.. او امريكية/ سوفياتية.. منطقة حملت الاسلام العظيم والديانات السماوية والحضارات العريقة بشعوبها الكبيرة العربية والتركية والفارسية والكردية وغيرها، لا يمكن ان تكون الا مركز ثقل بذاتها، بل واحد من اهم مركز الثقل العالمي.. وستتعاقب الثورات والانتفاضات في فلسطين وافغانستان والعراق والدول العربية فيما عرف بالربيع العربي.. احداث اخذت اشكالاً متعددة، وبتوقيتات مختلفة، واسفرت احياناً عن تداعيات متناقضة ومتخاصمة ومدمرة.. لكنها تنتمي في النهاية، بفعلها ورد فعلها، لزلزال واحد.. وهو ان المنطقة تستعيد هويتها وحيويتها، وستجد -في النهاية- مستقراتها وتوازناتها وانطلاقتها.
https://telegram.me/buratha