بقلم: نائب رئيس الجمهورية المستقيل عادل عبد المهدي
في بلادي شاع التجاوز والشكوى وعدم النظام.. فالدولة، في كثير من مواقعها تتظلم لكنها هي التي تتجاوز على حقوق المواطنين وتتلاعب بالقوانين والتشريعات لتحولها من قيد يضبط سلوكها الى قيود على الناس ومصالحهم وحقوقهم..
وهناك احزاب تتجاوز وتتحاصص وتحتل مساحات لا تستحقها، لكنها تنتقد وترمي المسؤولية على غيرها.. ووسائل اعلام ديدنها الفتن، وتهمها الفضائح قبل الحقائق، دون ان تراجع مهنيتها وامانتها ودقة معلوماتها.. وكثير من المواطنين يتجاوزن في المعاملات والممتلكات وفي ادائهم لمهامهم واعمالهم، لكنهم بدورهم يشتكون بل قد يشتمون.. والداعي بدوره يشتكي ولعل سائل يسأله فهل اديت واجبك قبل ان تنتقد.
اذن كثرت الشكاوى والتجاوزات وتنوعت وتعددت وصار من الصعب جردها واحتوائها.. فهل نُسكت الجميع؟ وهل الشكوى او النقد امر سيء.. ام السيء هو عدم وجود قاعدة للفصل بين الصحيح والخاطىء.. وهل للشكاوى مبررات؟ وهل للتجاوزات تفسيرات ام انها طبيعتنا، ليس الا؟
ندين فكرة انها من طبيعتنا ونميل لفكرة انها من تطبعنا. فاذا كانت الدولة هي اول واكبر المتجاوزين والمتلاعبين في لغتها وتصرفاتها فكيف نتوقع من الاخرين احترام ومعرفة حدودهم.. وتجاوز الدولة لصلاحياتها هو امر ليس بالجديد فقط.. ولعل هذا هو رأس الخيط في المشكلة والحل.. فان لم تضبط الدولة سلوكها.. فلا تصبح مصالح افرادها او اهوائهم هي القوانين الحاكمة.. وان تتقيد بقوانين عادلة تضع مصلحة المواطنين اولاً، والا فيجب ان نتوقع الظلم والفوضى وضياع المعايير.. وستتمكن الدولة بما تملكه من قدرات من تبرير تصرفاتها وتجاوزاتها.. دون ان تكون قادرة على ايقاف ردود الفعل التي ستنمو في السر والعلن.. فما سيصلح الحال هو ان تبدأ الدولة بالتقيد بالقوانين والقواعد العادلة لها او عليها.. لتكون قدوة ولا تختلق الاعذار.. عندها لن يكون بمقدور الاحزاب او العشائر او المواطنين او الاعلام او التدخل الخارجي او اي طرف اخر من التجاوز وبث الفوضى.
فالدولة الكريمة التي ندعو اليها هي تلك التي تذل النفاق ومن يدور حوله، وتعز البلاد واهلها.. ولا يعني في انتظار ذلك شرعنة تجاوزاتنا.. فمسؤوليات الافراد والجماعات قائمة، بذاتها ولا تقبل التبرير والتجاوز.. فالرقيب الداخلي للمؤمنين واصحاب الضمائر الحرة قيد ومسؤولية. ولولاه لانتصر الفساد والفوضى، ولاصبح التطبع طبيعة، وهذا هو موت الامم وشعوبها.
https://telegram.me/buratha