حمودي جمال الدين
في غرة آذار مع أول خيوط فجر يوم ألجمعه, ومن ناحية الفهود النائية ,والتي تغفوا بأحضان هور الحمار, تنطلق نبرات متناغمة مع حفيف القصب والبردي لتخلق معزوفة تتراقص على الحانها كل ما ينبض بالحياة من حولها فيمتزج الجمع لينشد أهزوجة الربيع العراقي, الذي أحال يبيس العشب وقصبه إلى نار مستعرة تحرق اقدام الطغاة والجبابره .فتردده الحناجر والأفواه ,من سفوح ذي قار حتى ذرى جبال بنجوين من شمالنا الحبيب ,فتتهاوى القلاع والحصون والمرتكزات الامنيه والعسكريه, التي تمترس واستقوى بها النظام وأزلامه, في قمع أبناء شعبه. ويغدوا هذا الكم الهائل من هيلمان العظمة والجبروت, إلى هشيما تذروه الرياح, ويسقط الواحد تلوى الأخر, وما هي إلا ساعات الليل, لينبلج الصبح بطلعته البهية, التي أعادت البسمة على الشفاه الذابلة, وتوجت الوجوه الباهتة الواجمة بنضارتها واخضرارها الزاهر .فمن حق المواطن العراقي ألان, ان يفتخر ويزهوا فرحا وطنبا ,لكونه أول من أشعل باكورة ما يسمى اليوم بالربيع العربي, كون العالم ومحيطنا العربي والإقليمي ,لم يعرف دكتاتورية بعنفوانها وقسوتها وجبروتها وظلمها ,كما عرفها الشعب العراقي, والذي لازال هذا الشعب وبعد عشر سنوات من الخلاص من نظامه الطاغوتي يئن من تلك الأوجاع والآلام التي تركها وخلفها له ذلك النظام البشع, ولازالت بقايا آثامه وجرائمه البشرية التي اقترفها بحق أبناء شعبه من المنتفضين الذين أذاقوه شر هزيمة وخذلان لازالت مقابرهم الجماعية التي تكتشف يوم بعد يوم, تحكي للأجيال والعالم مدى همجية ووحشية ذلك النظام.ونحن إذ نستذكر هذه ألانتفاضه الخالدة من عمر عراقنا المثخن بالجراح, لكونها تقص لنا ملحمة تاريخية وصفحة منقوشة بنضال الشهداء الذين ارووا ارض الرافدين بدمائهم الزكية الطاهرة, فحري بنا ألمحافظه على سريرتها ونبلها وهويتها وطبيعتها وأهدافها, ونبعدها عن متناول الأيادي العابثة ,من محاولة تحريفها وتشويهها, أو مصادرتها لجهة دون أخرى, و نجنبها بعيدا عن براثن المتلاعبين والأدعياء ,من كتاب ووعاظ السلاطين, ومن المتاجرين بالقلم والضمير الذين يقلبون الحقائق والوقائع لصالح من يدفع .ولكون ألانتفاضه لا زالت طريه, ولم تجف بعد قبور شهدائها ,ولا زال الكثير من الإحياء من رجالها الذين عايشوا دقائقها وتفاصيلها, فعليهم التذكير بمجرياتها وحقائقها ,حتى لا تختفي ويعلوها الصدئ والنسيان, أو ان تكون عرضة للتلاعب والتحريف والتزوير المغرض . وحتى نكون منصفين لوقائعها واحداثها ,وان لا نكون من شهود الزور ومجافاة الحقيقة ,نقول وبملء فمنا ان انتفاضة شعب العراق لم تكن وليدة حزب مؤدلج, ولا حركة سياسية منظمه, او نتيجة لخطط وأفكار مطروحة مسبقا ,بل كانت نتيجة لتفاعلات عفويه تلقائية ,أفرزتها صراعات وتناقضات وظروف موضوعيه قاسية, عاشها أبناء الشعب العراقي, تحت نير القهر والاستبداد والطيش والعنجهية, من لدن سلطة جائرة باغية حمقاء .لذا اشتركت بها كل اطياف وشرائح المجتمع العراقي ,بعربه واكراده وتركمانه, وبتنوع طوائفه وملله , وبتلون احزابه وحركاته السياسيه, ومن كل المتضررين الذين لحقهم الظلم والحيف والشرور من نظامهم البائد.وازاء هذه الشموليه ,التي ميزت انتفاضة الشعب العراقي, والتي تبطل وتدحض, كافة الادعاءات الفارغه والواهيه التي حاولت مصادرتها وتجيرها ,لبعض الحركات والتيارات المتصدره للمشهد السياسي العراقي اليوم, والتي استثمرت قطاف هذه الانتفاضه لصالحها ,وصعدت على جماجم الاف الضحايا من ابنائها ورجالها النجباء.ويبدوا إن هذا الأسلوب والنهج ,سليقة جبلة عليها هذه الحركات والتيارات الاسلاميه, في مصادرة نضال وجهاد الآخرين وتضحياتهم, للوصول وتسلق دفة الحكم والسلطة ,دون تعب وعناء ,وما الربيع العربي إلا صورة فاقعة مذهله لهذا الواقع المزري والمخجل, الذي أضحى بيد هذه الحكومات, التي اعتلت السلطة بغير وجه حق, في بلدان الربيع العربي ,حيث صعدت على ظهور وأكتاف الشباب العربي الناهض والحيوي والمنفتح ,على الدنيا وبهرجتها ليثور من اجل التحرر والانعتاق والخلاص من ظلم أنظمته الدكتاتورية, ليقع فريسة سهلة بيد أنظمة وحكام اشد ظلامية وسوادا وانغلاقا من أنظمتهم وحكامهم السابقون .
https://telegram.me/buratha