حمودي جمال الدين
رحم الله نوري السعيد, على ما خزّنه في ذاكرة العراقيين, من مقولات يستذكرها ويرددها البعض , على ألسنتهم قياسا أو تندرا, على إحداثهم التي مروا بها من بعده , وكان من بينها تلك المقولة الشهيرة والطريفة, والتي نعوذ بالله من شرورها وفداحتها لا سامح الله ان ألمت بالعراقيين ,وتحرك أو تزحزح ذلك القبق أو الغطاء , الذي كان يضع كرسيه عليه ,حين خاطب العلامة المجاهد الشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلس النواب بلسان غاضب ومتشنج ((ياشيخنا إنني جالس على سبتتنك وليس على كرسي رئاسة مجلس الوزراء)).لم يكن الباشا في منآي عما كان يقصده من كل ما يحويه السبتتنك من عفونة ونتانة طائفيه مبرقعة ومقنعة, ومخبوءة تحت ثنايا ذلك السبتتنك, فان وجدت حيزا أو فوهة يسمح لها بالتسرب والنفاذ, لأحرقت الأخضر واليابس, ولأحالت العراق وشعبه إلى أتون حرب مدمرة ساحقة ماحقة لاتبقي ولا تذر, لكننا والحمد لله ,لم تصل بنا الحال إلى ذلك المصير الأسود الذي تنبئ لنا به.لكون تاريخ عراقنا العتيد يشفع لنا الافتخار به, من بين الأقاليم العربية والاسلاميه المحيطة بنا, نظرا لتعدد مذاهبه وطبقاته وألوان طيفه المزركشة, مقارنة بالنسيج المذهبي والطائفي والعرقي المتجانس, الذي يشكل البوتقة المحورية والمجتمعية لهذه الأقطار , .حيث تميز العراق طيلة عمره المديد, بانسجام مكوناته وتآلفها وتلاحمها المصيري والاجتماعي , على رقعته الجغرافية ,رغم التباين والاختلاف المذهبي والعقائدي والعرقي بين مختلف طوائفه وأقلياته وأعراقه .,فلم ينفرط ذلك العقد المعنوي المترابط الذي يوشح علاقات نسيجه المتشابكة والمتداخلة يبعضها, ولم يخالجها التجاوب أو التأثر بمختلف المتغيرات أو الاهتزازات التي تعرض لها العراق عبر تأريخه الطويل والحافل بالصراعات والأزمات السلمية منها أو القتالية والحربية, التي كانت تنشب في كثير من الأحيان بين بعض من هذا المكون أو ذلك, وبين حكوماته المركزية المتعاقبة وفي مناطقه ومحافظاته المتعددة .والتي كان جل أسبابها ومبرراتها موضوعية ومنطقية, تتركز على حيثيات من الإهمال والتهميش, أو الغبن أو الشعور بالاضطهاد والإقصاء,و الذي ينتاب هذه المكونات, بفعل التعامل السيئ والخاطئ الذي تنتهجه سياسة حكومات العراق وقياداته مع هذه الكيانات.ولنا المثل الأقرب لتلك السياسات الحمقاء, التي أمعنت بانتهاجها حكومة النظام البائد, مع بعض شرائح هذا الشعب ومناطقه التي اختارتها لإذلالها وأهانتها طيلة سنين عمرها القيادي والسياسي, والتي كانت حصيلتها ألانتفاضه العارمة في آذار 91 والتي أقضت مضاجع وأركان السلطة وإدارتها ذاتيا لفترة محدودة من قبل الثارين .حيث انقسم العراق في حينه مناطقيا, بين محافظات ثائرة هائجة رافضة للعنجهية والتسلط والجبروت, ومحافظات مسالمة وادعة مستقره مطيعة, اكتسبت عطف النظام ورضاه,وبعثت الطمأنينة في نفس رأس النظام ليطلق عليها لقب المحافظات البيضاء, تثمينا وتتويجا لسكوتها ,وعدم مجاراتها وتضامنها مع أبناء شعبها في المناطق المنتفضة., والانكى من كل ذلك ظلت هذه المحافظات البيضاء ,محتفظة بسكوتها وهدوئها, ولم تحرك ساكنا وهي على مرآي ومسمع من آلة القمع الهمجية والوحشية التي سخرها النظام في حصد الآلاف من رقاب أبناء جيرانها من المحافظات الجنوبية والشمالية, وما لحقهم من دمار وخراب لمدنهم وقراهم, ومن تشريد وتشتيت لشبابهم ونسائهم على أصقاع المعمورة.وكل هذه التداعيات والضربات المهلكة والموجعة التي تعرض لها أبناء المناطق المنتفضة, لم تجد لها صدى أو شعورا بالأسى والألم عند قلوب إخوانهم في المحافظات البيضاء .لكن مع هذه الخيبة والمرارة والحسرة ,التي اعتملت حرقتها في الصدور, نتيجة لتلك المواقف المخجلة والمؤسفة, التي لقيها أبناء الشعب المنتفض من شركائه في الوطن والدين ,إلا أنها لم ترقى إلى الشعور بالقطيعة والكراهية, أو حتى لم تصل إلى العتب والملامه ,حيث ضلت لحمة هذا الشعب وعراه, متلاصقة متحابة عصية على التفكك والانقسام.على العكس ما نشاهده ونسمعه من إخوتنا المنتفضين أليوم في المناطق الغربية, والتي رغم وقوفنا وتعاضدنا مع تلبية مطالبهم وحقوقهم المشروعة والمهضومة, ورفع الحيف والظلم الذي لحقهم من جراء الأساليب الخاطئة أو الغافلة التي تسلكها حكومتنا المركزية معهم ,إلا إن الذي يحز في النفس ,وتعتصر له العقول والافئده ,تلك النبرات والهتافات والشعارات التي ظهرت تجلياتها على السطح بوتيرة متصاعدة بعيدة كل البعد عن سقف المطالب والحقوق المشروعة , والتي يستشف من دعوة مطلقيها ذلك الإصرار المبّيت التمحور حول إسقاط النظام وإلغاء العملية السياسية وتعطيل الدستور.وهذا يعني الرجوع بعجلة العراق إلى الوراء, و إلى أحضان الحكم الاستبدادي الفئوي الذي احتكر السلطة طيلة العهود المنصرمة التي توالت على حكم العراق قديمه وحديثه, حيث هٌمشتْ عن قصد وإمعان , الاغلبيه الساحقه من سكان هذا الوطن, تماشيا وتلبية مع المحيط الطائفي الإقليمي, الذي يرى إن أي إخلال بهذا التوازن خروج ومروق عن الواقع المذهبي , الذي تعتقد به وتقتفيه شعوب المنطقة وأقطارها وسياساتها الحاكمة.فإلغاء النظام الديمقراطي الذي ارتضاه عموم الشعب وصوت عليه بمحض إرادته, وبتوافق مكوناته وقبل بكل مبادئه وشروطه وأركانه جميع الإطراف بما فيهم إخوتنا في المحافظات الغربية,وإزاء هذا القبول والوثوق بنظامنا الجديد عليهم الرضا والانصياع لكل ما يسفر عنه من تداعيات ونتائج وإفرازات ,لا ان يجتزئ ما يتناسب مع أهوائهم ورغباتهم ويركنوا ما لا يتلاءم مع تطلعاتهم وأهدافهم. فصندوق الاقتراع هو الحكم والفصل, و هو الآلية المعتمدة في تحديد الاغلبيه العددية بمقاعد مجلس النواب, وبالتالي يرجع إلى الدستور والى قبة البرلمان في تثبيت هيكلية الحكومة ورئاستها وبقية الرئاسات, وهذا إجراء سليم و متبع في مختلف النظم الديمقراطية في العالم ولا ينفرد به العراق لوحده.وحتى لا نجانب الحقيقة ولكي نكون صرحاء مع بعضنا ,هو مانتلمسه ونستشعر به من تلك الصيحات والشعارات التي تتبلور حول مطلب مفصلي يراد منه تغيب وإقصاء الاغلبيه الساحقة من مكونات الشعب العراقي وإبعادها عن مركز القرار والحكم والمتمثل برئاسة الحكومة المنحدرة من صلب هذا المكون .رغم علمهم ان هذا التمثيل صوري وهو ليس بالضرورة تمثيلا فعليا يتماشى مع نبضات وتطلعات واحتياجات هذا الكيان الواسع , وما يلحق مناطقهم من ظلم وحيف وسوء في الخدمات , يتقاسمه معهم إخوتهم من مناطق ومحافظات الجنوب والوسط .أملي إن لايفهم من طرحي هذا انحيازا ومحاباة لطائفتي, بقدر انحيازي لوطني وخوفي على مستقبل شعبي وما يهدد تعايشه السلمي المتآخي بين جميع أطيافه طيلة هذه القرون ., فالوضع الراهن بقسماته الكالحة والمشوبة بالضبابية والخشية من توغل بعض الأيادي الملوثة بالغل والحقد والمتربصة على تقويض الاستقرار والأمان لهذا البلد, والتي تمعن بتغذية النار حطبا ,ليحترق البيت على من فيه, أو ليعود العراق إلى حصيرتها وتبعيتها.
https://telegram.me/buratha