محمد حسين السعدي
يعيب بعض أبناء المذاهب الإسلامية على الشيعة تبركهم بقبور آل البيت، ويذهب المتطرفون منهم الى عد ذلك شركا بالله، ووصف أحد السياسيين العراقيين الجموع الزاحفة في أربعين الحسين الى كربلاء بأوصاف لا ينبغي لمسلم واع أن يتفوه بها على إخوانه وشركائه في الوطن، ومن المؤسف أن هؤلاء تناسوا أو يتناسون أن أجدادهم كانوا يعبدون ويقدسون ويقدمون النذور الى طوب أبو خزامة وخرقوا له المعجزات.
وطوب أبو خزامة مدفع نصبه السلطان مراد علم دار (عفوا مراد الرابع) حين غزا بغداد في الاحتلال العثماني الثاني عام 1048هـ 1638م، وبدلا من أن يبغض بعض العراقيين هذا المدفع لأنه يشكل رمزا من رموز الاحتلال لبلدهم، راحوا يقدسون هذا المدفع ويتبركون به ويقدمون له الهدايا والنذور، والسر في تقديس هذا المدفع هو أن جزء الشعب الآخر أعني الشيعة فتكوا بنار حممه، فقد أقام مراد الرابع مذبحة للشيعة بعد احتلاله لبغداد >قتل فيها ثلاثين ألفا من شيعة آل البيت، لم يفرق فيها بين العرب منهم، والزوار الفرس، وجنود الشاه الصفوي< (لونکريک:98)، فصار طوب أبو خزامه قديسا لدى الطائفة السنية.
فأطلقوا على المدفع اسم طوب أبو خزامة، لوجود خرق صغير في فوهة المدفع، وقالت أساطيرهم حول هذا المدفع المقدس: >إن المدفع كان في السماء عند حصار السلطان مراد لبغداد، وأن الله أمر جبريل أن ينزل به الى الأرض لمساعدة السلطان مراد فنزل به جبريل يجره من منخره. أما الأسماك التسع المنقوشة على جانبيه فقد لصقت به عند اجتيازه بحر القدرة الإلهية، أثناء نزوله من السماء. وأن هذا المدفع المقدس عندما استقر في الأرض أخذ يتلقف التراب ويحوله بقدرة الله الى قنابل يقذف بها العدو.
وروت أساطيرهم أن السلطان مراد غضب على المدفع ذات يوم فضربه بقبضة يده، ولا يزال أثر الضربة باقيا فيه يدل على مبلغ قوة السلطان. ورووا أن المدفع غضب يوما فألقى بنفسه في نهر دجلة، مما اضطر السلطان أن يسحبه من منخره ويعود به الى الشاطئ< (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق: الدكتور: علي الوردي:1/86)، ولهذه الكرامات الباهرة والمعجزات التي ظهرت للمدفع الذي قتل به الشيعة، صارت نساء أهل السنة يتبركن به وينذرن له النذور، ويربطن به الخيوط على منوال ما تصنع نساء الشيعة في العتبات المقدسة، وجرت عادتهم في بغداد أن يؤتي بالمولود الجديد في يومه السابع فيطاف به حول المدفع، ويدخل رأسه فيه فوهته ثلاث مرات، وظلت هذه الطقوس السنية جارية حتى جاء محمود شكري الآلوسي أحد علماء أهل السنة في بغداد فكتب رسالة سماها >القول الأنفع في الردع عن زيارة المدفع<، وبالرغم من هذه الرسالة وترجمتها بالتركية إلا أن أهل السنة لم يرتدعوا عن عبادة المدفع، حتى نقلته الحكومة الى المتحف الحربي. (لمحات اجتماعية:1/78)
ضريح كنج عثمان
الى جانب المدفع المقدس نال أحد قادة الجيش العثماني قدسية كبيرة، وسيقت له الكثير من الكرامات وصار قبره ملاذا للزائرين من أهل السنة، وكان كنج عثمان قد جاء العراق بقطعة من الجيش قبل وصول مراد الرابع، فاحتل المدن الشيعية كالحلة والنجف والرماحية وكربلاء، لكنه مات في الطريق قبل فتح بغداد، فنقلت جنازته الى بغداد ودفن قرب السراي، فانتشرت في أوساط سنة بغداد أنه من الذين استشهدوا في معركة فتح بغداد، وأنه كان يحمل راية السلطان فقطعت يداه، لكن الراية ظلت تمشي وحدها من غير أن يكون لها أحد يحملها، ولم تسقط الراية إلا بعد أن شاهدها أحد الأشخاص ودهش لمنظرها العجيب.
وصار قبر كنج عثمان مزارا للطائفة السنية، وبنيت عليه قبة، واتخذت له سقاية ماء، وجدد الوالي حسن باشا بناءه سنة 1720م، وشيد له شباكا ليزار بسهولة.فلا ندري أيهما أولى قبولا عند الله زيارة الحسين، أم زيارة كنج عثمان وطوب أبو خزامة.
https://telegram.me/buratha