علاء فاضل
كلنا يتذكر مقترح الطاولة المستديرة الذي طرحه سماحة السيد عمار الحكيم، الرامي الى تشكيل الحكومة بعد انتخابات العام 2010 حين تعثرت الخطى الساعية لتشكيلها آنذاك ، ذلك المقترح الذي كان من شأنه عبور الازمة للشروع في أستئناف المسير مرة اخرى لاستكمال بناء الدولة العراقية من خلال ارساء الدعائم لحكومة تشترك فيها جميع الفصائل السياسية، كما نذكر جميعا كيف تم تجاهل تلك الدعوة التي نمّت عن حرص على الحفاظ على ما تحقق للعراقيين من مكاسب سياسية والحيلولة دون وضعها في مهب ريح قد تاتي على الاخضر واليابس في وقت كانت البلاد فيه بامس الحاجة الى صوت وسط يوفق بين الارادات المتعارضة للوقوف في نقطة يمكن ان يلتقي فيها الجميع وهم يشعرون بالربح وليس بينهم خاسر يندب حظه او مغبون قد يؤدي به شعوره بالغبن الى التربص بالعملية السياسية والكيد لها من خلال عرقلة مشاريعها او الاستقواء بالخارج او بعوامل قوة تخرج عن الأطر الوطنية، وكان من عجيب الحوادث ان من وقف بالضد من تلك المبادرة هم بعض شركاء المجلس الاعلى في التحالف الوطني ، ولم يكن هناك من مبرر موضوعي للتجاهل غير الرغبة في عدم الاقرار بان المجلس الاعلى وقيادته هم بيضة القبان التي توازن الامور لتعيدها الى مسارها الصحيح الذي يؤدي الى بر الامان المؤسس على التعايش السلمي بين المكونات من خلال حفظ الحقوق والاقرار بشراكة حقيقية في صنع القرار، وفعلا تمكن ذلك البعض من صرف الانظار عن مبادرة السيد عمار الحكيم فما كان منه الا ان يؤثر المصلحة الوطنية العليا، فبادر الى وضعها في اذن الاستاذ مسعود البرزاني او ربما ان السيد البرزاني ادرك بحسه السياسي بان هذه المبادرة تمثل فعلا سياسيا كفيلا بتحريك المياه في البركة الراكدة فاطلقها بدوره داعيا الاطراف الى الجلوس حول طاولته المستديرة وراح الطرف الذي عارضها حين صدرت من السيد الحكيم راكضا مهللا خاصة مع وجود رسائل خفية همست له بان الامور ستؤول في النهاية الى صالحه، عندها ما كان من السيد عمار الحكيم الا ان يبارك الفعل بوصفه مخرجا للعراق وليس مخرجا لطرف بعينه، سيرا على النهج الذي اختطه عزيز العراق (قده) حين هب لانقاذ الحكومة التي تراسها الاستاذ المالكي والتي ارادت القائمة العراقية لها ان تسقط حين سحبت وزراءها منها، فكانت الفكرة التي طرحها (قده) هي ان يعقد تحالف رباعي يجمع بين المجلس الاعلى وحزب الدعوة والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، فكان هذا التحالف بمثابة طوق النجاة الذي انقذ ركاب المركب وحافظ على المسافة الجيدة التي قطعها في مياه العملية السياسية والانجازات التي تحققت، على هذه الرؤية التي تنم عن حرص حقيقي وسعي جاد على مواصلة العمل من اجل الوصول بالعراق الى بر الامان جاءت المبادرة التي اطلقها سماحة السيد عمار الحكيم عند نشوب الازمة بين دولة القانون والتحالف الكردستاني وبخاصة الديمقراطي الكردستاني برئاسة السيد البرزاني والتي اشتعل اوارها على خلفية موضوع المناطق المتنازع عليها، وقد لقيت هذه المبادرة ترحيب من الساسة ومن الجماهير على حد سواء فبدا وكأن شيئا جديدا بدأ يلوح في الافق للدرجة التي شعر معها المواطن العراقي ان هناك توجه جديد لدى غرماء المجلس الاعلى وسماحة السيد الحكيم يقضي بدعم مبادرته باعتبارها مشروع وطني عراقي صرف خارج التوصيفات الحزبية والجهوية، وهو ما هيأت له تصريحات عدد من الساسة المحسوبين على الفريق القديم الذي ميّع المبادرة الاولى ، ولكن الامر لم يرق (على ما يبدو) لاصحاب سلطة القرار في كتل اؤلئك الساسة ، وليس من دافع وراء مثل هكذا قرارات سوى التعامل مع المبادرة من زاوية المرجحات الانتخابية تاسيسا على قاعدة خطيرة تقضي بجعل السباق الانتخابي حلبة لصراع وجودي وليس ميدان للتسابق والتنافس على الخيرات الذي تتحدد ملامحه من خلال البرامج الانتخابية والخطط الهادفة الى تقديم الخدمة للمواطن العراقي ، تحت ذريعة ان الخلافات مع الاقليم ورئاسته لا تستدعي جهدا من هذا النوع بل وبالامكان الوصول الى حلول وسطية ترضي جميع الاطراف في حين ان الواقع اشّر تصعيدا خطيرا في الازمة وصل حد التشنج الذي شابته رائحة البارود في كركوك ، هنا وجدت الولايات المتحدة نفسها امام منطقة فراغ يمكن لها ان تستغلها لتضع بصمتها ولتظهر على انها راعية السلم الاهلي في العراق وصاحبة المبادرات العقلانية المبنية على استدراج الخصوم واجلاسهم على طاولة المفاوضات لحلحلة الامور ، وهكذا وبتنسيق مع السيد البرزاني الذي تبنى هذا المقترح مرة اخرى وراينا كيف ان باء البرازني تجر ما بعدها، على غير ماكنت عليه باء سماحة السيد عمار الحكيم التي لاتجر لدى الغرماء وجاء الترحاب بدعوة البرزاني وسيهرع الذين تمنعوا بالامس ليجلسوا على الطاولة في الغد دون تحديد لمعايير صحيحة و واضحة للقبول او الرفض سوى المنفعة الجهوية و الحزبية.
https://telegram.me/buratha