بقلم : عبد المنعم الحيدري.
منذ ان وضع بريجنسكي نظريته الجيو ستراتيجية في المجال الحيوي تحت عنوان النظرية الماكندرية الجديدة وسحبها من اوراسيا باتجاه الوطن العربي وتحديدا في المنطقة الحيوية والاستراتيجية المحصورة في منطقة الخليج وذلك لكونها تتمتع بمزايا تؤهلها ان تكون هي الساحة التي لا يمكن للدول العظمى ان تستغني عنها مما جعلها ان تكون محط صراع لبسط النفوذ لتلك الدول حتى هذه الساعة.منطقتنا العربية وعلى الرغم من اهميتها الاستراتيجية في نظر اللاعب السياسي الاميركي الا انها هي اليوم اكثر المناطق سخونة في العالم وذلك بسبب (الربيع العربي) الذي حدث في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا والعراق والبحرين والسعودية والكويت وقد بات واضحا للمراقبين والباحثين في الشأن السياسي الازدواجية التي تتعامل بها واشنطن مع هذه الدول ، لكن ما يلفت النظر هنا هو الخطوات الضبابية التي تقوم بها اميركا اتجاه (الربيع العربي)، خصوصا في مسألة دعم الحركات الاسلامية من اجل الامساك بالسلطة في كل من مصر وليبيا وتونس وحينما تمكنت هذه الحركات التي كانت بالأمس في نظر واشنطن هي (مشبوهة) الى حد ما والقسم الاخر مصنفا لديها ( ارهابيا)، بدأت اميركا وكأنها تتراجع عن توفير الدعم لهم وكأن مثلها كمثل من يقوم بإنقاذ شخصا من على شاخص ثم يتخلى عنه في نصف الطريق فيتركه فلا هو قادر على العودة الى نقطة الانطلاق التي بدأ منها ولا هو قادر على مواصلة الطريق ومن البديهي ان يكون هذا السلوك السياسي من قبل دولة عظمى مثل اميركا تمتاز بالمؤسساتية لابد ان يكون سلوكا مدروسا وليس اعتباطيا . ومن هنا يأتي السؤال التالي وهو لماذا هذه الإستراتيجية الضبابية من قبل واشنطن اتجاه المنطقة عموما والحركات الإسلامية خصوصا؟.هنا وقبل الذهاب الى الإجابة على السؤال لابد من معرفة الأساس التي تقوم عليها سياسة واشنطن الخارجية وماهية السلوك الذي تتبعه ضد دول العالم الثالث.هناك ثلاث أنماط للسلوك السياسي الخارجي تتبعه دول العوالم الثلاث (الرأسمالي والاشتراكي والعالم الثالث).1. دول العالم الثالث او المتخلف كما يحلو لبعض الغربيين تسميته وهو يقوم على اساس التحر من الهيمنة والاستعمار.2. الدول الاشتراكية وهي قائمة على اساس دعم حركات التحرر في العالم.3. الرأسمالية تقوم على أساس الهيمنة والاحتكار لمقدرات الشعوب في كل دول العالم لأنها لا تهتم الا بتحقيق مصالحها على حاب مصالح الدول الاخرى التي تريدها ان تكون تابعة لها.وأميركا هي اليوم قائدة الرأسمالية في العالم وهي التي سبب المصائب في عالمنا الثالث.
ومن هنا نستطيع ان نحدد السلوك السياسي الخارجي الذي تتبعه واشنطن حيال منطقتنا فهي تسعى لتحقيق هدفين الاول: ان تكون كل ثروات المنطقة بيدها وهي التي تتحكم بها. والثاني: هي ان تكون اواق تلك دول محتكرة لبضائعها.
ونعود هنا لنضع للاجابة على السؤال الذي طرحناه وهو لماذا تتبع واشنطن هذه السياسة حيال الحركات والاحزاب الاسلامية في بلدان (الربيع العربي) وهو يكون على شكل نقاط كالتالي:اولا: بعد ان استهلكت الحركات والاحزاب القومية التي انطلقت في اربعينيات وخمسينيات القرن العشرين رصيدها في الشارع العربي شعرت اميركا ان المد الاسلامي الذي عاش مقموعا لعدة عقود من السنين بات هو الذي يسيطر على الشارع وان واشنطن على يقين من انه لا يمكن ترويض الاسلاميين لا بل اكثر من ذلك انها ترى (لا عهد لهم) ومن هنا يأتي الخطر وبالتالي فهي اوصلتهم الى نصف الطريق ثم بدأت تتخلى عنهم من اجل ان يرتد الشارع عليهم على اساس انهم غير قادرين على ادارة الدولة. وهذا ما يحصل في تلك الدول الثلاث التي يسيطر عليها الاسلاميون.ثانيا : ان اعطاء الضوء الاخضر للحركات الاسلامية في استلام السلطة في تلك الدول الثلاث هو جاء وفق لاتفاقات ابرمت وراء الكواليس مع اقتناع واشنطن قناعة تامة بأن هؤلاء غير قادرين على النجاح وذلك بسبب الفكر السياسي الذي يقوم عليه حكم الدولة في نظر اولئك الاسلاميين مما يفقد الثقة بينهما وبالتالي فأن ما اسست له واشنطن مع الاسلاميين في تلك الدول هو يدخل ضمن التكتيك الذي يهدف الى تحقيق غايات سريعة تخدم الاستراتيجية التي تعتمدها اميركا اتجاه المنطقة من اجل استعادة السيطرة عليها من جديد من خلال استمالت الحركات القومية والليبرالية التي تسعى الى الحكم في تلك البلاد.ثالثا : ان اميركا تمر بأزمة اقتصادية وان ارباك الوضع في المنطقة وفقدان الاستقرار والأمن يعود عليها بالمردودات الايجابية وبالتالي فأن كل ما تقوم به اميركا هو يصب في صالحها ويحقق لها الأهداف المرسومة.رابعا : ان الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد اعتقادا كليا ان أطروحة هننغتون ( تصادم الحضارات) ، والتي يقول فيها ان الحرب القادمة سوف تكون بين الرأسمالية والتحالف الإسلامي الكونفوشيوسي وهي واقعة لا محالة ومن هنا تسعى واشنطن لخلخلة الإسلاميين بضربة استباقية سياسية وليس عسكرية من اجل ان لا تقع الحرب في المستقبل القادم ، وان وقعت فهي سوف تتصدى الى عدو قد فقد قواه وغير جاهز للمعركة.اما الإسلاميين فهم كما يبدو إمام خيارين لا ثالث لهما الأول : وهو الانخراط بمشروع أميركا والقبول بالتبعية لها وهذا خلاف الفكر السياسي الذي قامت عليه تلك الحركات وبالتالي يتسبب ذلك بمصادرة الإرث التاريخي النضالي لها وفقدان قاعدتها الجماهيرية وبالتالي فأنها سوف تتحسر على خندق المعارضة الذي غادرته الى خندق السلطة وتكون كبائعة اللبن التي لم تحظى بالخادم ولا باللبن.او تكون قد أدركت وعرفت ووعت الى ما تخطط له واشنطن لها وبالتالي تكون قد استعدت ووضعت خطط وإستراتيجيات لصد وإفشال ما تخطط له واشنطن. ولا يكون ذلك الا بعد ان تعلن تلك الدول التي هيمنة على الحكم بوقوفها إلى جانب الخط المقاوم لان شرفها يكمن في ذلك وتكون قد حافظت على تاريخها النضالي و قواعدها الشعبية وبذات الوقت تحافظ على السلطة التي وصلت أليها.
https://telegram.me/buratha