علي جاسم
ونحن نعيش هذه الايام الذكرى الاليمة لخاتمة وحسم انتفاضة ابناء العراق في الشمال والجنوب (الانتفاضة الشعبانية 1991) ضد النظام الصدامي لابد لنا من جعل التاريخ يتذكر ان ما لاقاه الشعب العراقي خلال الفترة الماضية من العصر الحديث لم يلاقيه أي شعب آخر من الظلم والجور والهوان على أيدي السلطة الصدامية وزمرتها طوال أكثر من ثلاثة عقود مضت لم يعرف خلالها الشعب سبل الراحة وأشكال الحياة الحرة الكريمة، وتم استبدال كل ذلك بالسجون والتنكيل والاعتقالات والتعذيب والمقابر الجماعية والإعدامات المتنوعة الأساليب والترحيل والأنفال وقنابل حلبجة وتجفيف الاهوار وسياسات البطش والقهر ومصادرة الرأي والحرية والديمقراطية وفرض النظام الاستبدادي والشمولي وجعل أبناء العراق الحطب الأكبر لنيران الحروب والمغامرات العسكرية الفاشلة التي خاضها الديكتاتور مع جيران العراق، فضلا عن الملايين المهجرة المضطرة الى بلدان أخرى، وقد تكون بعض الدول أبتليت خلال العصر الحديث بأنظمة شمولية جائرة ودموية مارست بحق شعوبها أنواع العنف والجور والاضطهاد إلا ان الشعب العراقي سوف يتذكر ما سجل التاريخ عنهم بتذوقهم لأقسى أنواع القتل والتنكيل والتعذيب على أيدي أكثر حكام الأرض فتكا وبطشا أحال المدن العراقية في الشمال والجنوب الى مقابر جماعية ومنازل لأيتام حروبه ومغامراته وبطشه، وألقى بالآخرين في غياهب السجون والمعتقلات.مهما اجتهدنا بالكلام، ومهما حاولنا ان نصف الطغاة والجبابرة الذين حكموا العالم على مدى فترات من الزمن، إلا ان النظام الصدامي المقبور لا يمكن لأي إرهاب مهما أشتدت درجة قساوته ان يصل الى حد ما وصل إليه الطاغية وتفننه في تعذيب وتقتيل أبناء الشعب في حلبجة الشمال وأهوار الجنوب، ولعل اخماد الانتفاضة الشعبانية بأقسى أنواع العنف والجريمة كالقصف بالطائرات واعدام المتظاهرين وتعليق جثثهم لعدة ايام على أعمدة الكهرباء وأمام منازلهم وحرق الجثث وضرب المراقد المقدسة والمدن والمنازل بالمدفعية ودفن الأحياء في مقابر جماعية وغيرها من وسائل الاعدام وفنون الرعب التي ابتكرها صدام وزبانيته فضلا عن السجون والمعتقلات التي امتلأت بالعوائل والنساء والاطفال العراقية وبخسائر بشرية تم تقديرها بحوالي 300 الف مواطن خلال 14 يوما فقط من تاريخ الانتفاضة، ولو اضفنا لها جريمة قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية واستشهاد أكثر من خمسة آلاف مواطن ــ وهي جريمة أخرى حدثت ايضا في مثل هذه الايام من عام 1988 ــ واعتبارها من أسوأ جرائم العصر وأبشعها، فأن الكلام عم وحشية النظام الديكتاتوري السابق قد يكون شيئا بسيطا لا تعبر عنه الكلمات بواقع حقيقي.هذه المقابر الجماعية التي صنعتها السلطة الصدامية في الجنوب والشمال، وهذه الضحايا التي أزهقت ارواحها وهي تعبر عن رفضها للعقل المريض والفكر الشوفيني الصدامي قد بقيت الى اليوم جرحا عراقيا يضاف إلى الجروح السابقة، وذكرى أليمة توضح مدى دناءة وإجرامية نظام صدام، وستبقى إحدى الدلائل على بطش وعنجهية صدام لتسجل ذكرى في التاريخ البشري كواحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في العصر الحديث، كما انها ستبقى من المجازر الصدامية التي تكشف وتفضح زيف ادعاءات صدام وعراقيته وعروبته ولتطلع عليها بعض العناصر والأذناب في بعض الدول العربية الذين مازالوا يظنون به خيرا وانه الحاكم الشرعي الفذ فيتبنون أفكاره وآراءه وأطروحاته في المنطقة العربية، دون ان يلامسوا ما جرى في العراق فعلا خلال فترة حكمه المظلمة، كما انها كانت نقطة التحول الكبرى في شكل ونوع التاريخ الجهادي والمقاومة الجماهيرية ضد الديكتاتورية المقيتة التي عاشها العراق آنذاك، وكانت المفتاح الحقيقي الذي افتتح سجن حكم صدام وكسر قوة بطشه وجبروته بعد ان أرغمته على العيش في عزلة جماهيرية وسياسية ودولية كانت بداية نهايته المدوية والحاسمة.
https://telegram.me/buratha