رسمت أعمال الإرهاب في العراق صورة توحي بالقلق، فالقتل اليومي يلاحق العراقيين ويحصد أرواح العشرات، وان وتيرة العنف مستمرة في تمزيق البلد، فقد شهد العام الماضي مقتل قرابة خمسة آلاف شخص. فالبلاد غارقة بالدم ومحفوفة بالمخاطر، وأعمال العنف والخلافات السياسية أثرت وبشكل كبير على تركيبة المجتمع العراقي فقد قتل وهجر أعداد كبيرة على مدار عشرة سنوات ودارت حرب شبه طائفية. وبرغم تخلي بعض الجماعات في العراق عن السلاح وانخراطها في العملية السياسية إلا أن جماعات أخرى جديدة وخلايا نائمة بدأت تظهر بمجرد أن تطفوا على السطح مشاكل سياسية. إن ما يمر به العراق من فوضى سياسية وأمنية خلق مناخ يوحي لمن يؤمن بحمل السلاح بأن هناك فرصة لمواجهة الحكومة عسكرياً. وكشفت معلومات عن أعداد تنظيم القاعدة في العراق الذي تجاوز خمسة وعشرون ألف وهو عدد قد تزايد بشكل واضح جراء السياسات الخاطئة من قبل القادة العراقيين في إدارتهم البلد، كما أن الكثير من المعتقلين الذين خرجوا من السجون إبان وجود الأمريكيين في العراق انظموا لتنظيم القاعدة وهو تهديدا مستمرا للأمن في العراق. ويعتبر التصدي لهذه المجاميع مسألة حساسة وخطيرة لأسباب سياسية ومصلحية. وتعتبر هذه الأحداث تغيرا في التوجهات الحكومية، رغم إدراك الحكومة بأنها لن تدع المشكلة تتفاقم مرة أخرى. وسوف يتحدد خلال الفترة القادمة مهمة جميع القادة العراقيين وموقفها من التصدي للمخاطر التي تحيط بالبلد مما يجعل التوصل إلى حل سريع وقاطع أمراً حاسماً. ومع غض النظر عن التهديدات وأعمال الإرهاب من قبل التنظيمات الارهابية، سوف تستمر هذه المجاميع في تحديها للحكومة العراقية لأسباب عديدة منها أن لهذه المجاميع قوى داعمة من داخل الكتل السياسية والدول التي لها مصالح في العراق. ردود الأفعال لكن وجهات النظر للمؤسسة العسكرية تختلف من حزب سياسي لآخر وهناك مخاوف من استغلال نفوذ السلطة وتجير المؤسسة العسكرية لمصلحة حزب معين، فثمة خلافات بين حكومة المركز بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي وإقليم كردستان بقيادة مسعود برزاني من جانب وبين حكومة المركز والقائمة العراقية بقيادة أياد علاوي من جانب آخر بشأن إدارة المؤسسة العسكرية بما تحمله من تفاصيل، في وقت من المفترض فيه أن تعمل هذه المؤسسة وفق الضوابط المهنية وان تكفل السلم الأهلي، وان تقف من جميع الكتل السياسية بمسافة واحدة وهي خطوة للاستفادة من التجربة السابقة التي كانت المؤسسة العسكرية تابعة لنظام صدام والتي تتبع حيث خلفت جيشاً ضعيفاً لا يستطيع أن يدافع عن البلد أمام أية مخاطر. من العواقب غير المقصودة، ما حدث في الأنبار وبعض المدن السنية حيث تعمل جماعات من خلال استغلال المظاهرات على تأجيج الروح القتالية وتدفق الأسلحة مما حفز الصراع الطائفي والعشائري وظهور قوى شيعية في ردة للفعل. وهناك دعوات الى التمرد ضد الحكومة المركزية من قبل بعض المحتجين الذين يدعون إلى التمرد. مما قد يقوض جهود الحكومة المتراخية سياسياً وأمنياً من السيطرة على الأوضاع. ويرى خبراء عسكريون أن هنالك عقبات أمام بناء مؤسسة عسكرية فاعلة وهو ما يعكس حجم التحديات والصراعات بين الكتل السياسية، في وقت من المفترض أن تسعى الحكومة العراقية لتحديد هوية المؤسسة العسكرية وبناء جيش محترف وفعال للتخلص من مختلف المخاطر التي تواجه البلد. حيث خاض العراق تجربة مريرة جراء مواجهة المجاميع المسلحة وتصدي القوات الأمنية لها. ولاشك في وقت من الأوقات تم الاستعانة ببعض المجاميع المسلحة بصورة غير رسمية من أجل التصدي لتنظيم القاعدة وخصوصاً في مناطق حزام بغداد، ليتحول فيما بعد قسم من هذه المجاميع أن يعمل خارج إطار القانون والسياسة والاستفادة من قدرات هذه المجاميع التي تملك خبرة بحمل السلاح والمواجهة رغم فقدانها أصول الحرب. كما هناك أمر ينبغي إدراكه وهو أن النزاع من أجل الثروات قد يشعل حرب داخلية بين العرب والأكراد. وخصوصاً أن العراق يمتلك ثروات اقتصادية وبشرية هائلة من شأنها أن تدعم أسس الدولة الحديثة وخطتها على المستويات العلمية والثقافية والصحية. توصيات أولا، أن يكون للعراق تعاوناً إستراتيجياً بينه وبين الدول التي استطاعت إن تتصدى للإرهاب، وان يتطلع الجيش إلى معايير أمنية دولية ناجحة. وان يوسع العراق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة وتزويده بأسلحة ومعدات وخطط إستراتيجية متطورة. ثانيا، ينبغي على نظام الدولة والحكومة وجميع المؤسسات المدنية التثقيف نحو بناء دولة عصرية وجيش نظامي. فالعراق يسود فيه النظام القبلي والعشائري والقومي يحكم في الدولة ويوزع المناصب والثروات، لذلك يتطلب التحول نحو نظام ديمقراطي ودعم نظام المواطنة. ثالثاً، لاشك إن تسمية المجاميع المسلحة كمنظمات إرهابية يعد أمراً حيوياً، ليس فقط كونه رسالة ولكن سيتم التمييز بين السياسة والإرهاب. ويجب على الحكومة العراقية إثبات أن هذه المجاميع خطيرة ولها عواقب تترتب عليها أعمال إرهابية مثل تجنيد المقاتلين وتجمع المال والسلاح. لذلك فان التقاعس عن العمل أو التخلي عن التصدي بالكامل سوف يزيد من قدراتها وسيشجعها ذلك على متابعة نشاطاتها. رابعاً، إدراك الاتجاه التأسيسي لبعض الحركات المسلحة له قاعدة دعم وان كانت ضئيلة لكن هذه الحركات تحظى بدعم عشائري وطائفي وإقليمي. ومع ذلك ينبغي أن تضغط المؤسسات بمختلف توجهاتها على السياسيين لإجراء تحقيق جذري وشامل عن سبب نشأة وتأسيس هذه الحركات. ويبدو أن سبب انبعاث مجاميع مسلحة، التخفيض المقصود أو غير المقصود من قبل المعنيين على الإجراءات الصارمة التي فرضتها الحكومة على انبعاث مجاميع مسلحة من قبل .ويبقى الأمر مرهونا بإدارة الملف الأمني بطريقة مهنية ومنظمة مبنية وفق خبرات ميدانية بعيدة عن العقلية الفردية والروتين والبيروقراطية وهو الأمر الذي قيد المؤسسة العسكرية. يعتبر الواقع الراهن مثالاً ساطعاً لغياب وحدة الهدف عندما يتعلق الأمر بإدارة البلاد التي تعج بالسلاح والمجاميع المسلحة وابتعاد المجتمع عن الحياة المدنية. في المرحلة القادمة، يتعين على الحكومة العراقية والكتل السياسية أن تميز أين تكمن مصلحة البلد الحقيقية الذي ينسحب يوم بعد آخر نحو الهاوية. *كاتب صحافي في شؤون السياسة والإرهاب
https://telegram.me/buratha