بسم الله الرحمن الرحيم
في زيارة عائلية كان المقرر لها ان تكون سريعة لعيادة مريض, هو صديق للعائلة , جرى فيها حوارغير متوقع في مثل هكذا زيارات يستحق التأمل , فبينما انشغل والدي بالاستفسار عن حاله جلست برفقة بناته وزوجته نتبادل اطراف الحديث ونرتشف شاي العصر مع بعض حلويات السلامة وعيناي تراقب عقارب الساعة حتى لا تتجاوز النصف ساعة التي كنت قد اتفقت مع والدي على ان لا نتجاوزها وصرت انتظر نظرة من والدي تتقاطع مع عيناي لاذكره بأن الوقت قد حان ولكن والدي قد اندمج معه فاستحق الامر تذكيراً لفظيا ً فسارع الرجل بالرفض القاطع قائلا ً اذهبي في امان الله واتركي صديقي فضحك الموجودون وجلست ثانية .
ووجه لي الكلام قائلا ً كل مشاغل الدنيا لا تساوي جلسة كهذه فأسرعت بنفي ان يكون الامر بسبب انشغال بل لان المقابل متعب ومريض رغم ان اشارته فيها مقدار من الصحة لا يُنكر !.
ورجعت الجلسة الى سابق عهدها ثنائية الاقطاب وموضوع القطب الاول اقتصادي والثاني تربوي عن المدارس وهمومها فهّم ابو احمد بدمج الدائرتين بحوار واحد حينما اطلق سؤاله لي عن سبب تراجع الطلبة في معنوياتهم؟ وعن دور المدرسين الذي يتراجع بعدما كان للمدرس قوة جذب على الطالب أشرت نحو شاشة تلفازهم . ففهم ما ارمي اليه فقال الاعلام ؟ فأجبته بأن ليس لكل مدرس قوة جذب هذا جانب والجانب الادق انه وان امتلك ذلك لن تساوي قوة الجذب الاعلامي وعليه لابد من ان تجتمع مجموعة من قوى الجذب المدرسية والاسرية والجيد من الاعلام في صف واحد وانفتح باب الحوار .
وتكلم أبو احمد عن شيء لم يكن يدركه الا بعد رقوده الاجباري في المشفى فكان ذلك التأمل الاجباري سببا ً في ادراك اننا نترك خطا مهما يوازي خط السعي وراء الرزق وحماية اسرنا من دنيا تكشر انابها بالفساد والدمار فصارت اسرتنا الصغيرة وحمايتها هاجساً مطلوبا ً وصارت العزلة الاجتماعية سمة للاغلبية بل وحتى زيارتنا باتت محدودة ومختصرة نصرة لهذا المبدأ الذي يتغلل في حياتنا بدون ان نشعر وربما دون تعمد ولكن النتيجة اننا نسير في طريق العزلة خوفاً على اعزائنا فكيف لنا من قوة جذب !! .
وأضاف بأننا لابد من توظيف جزء من اموالنا ووقتنا بحثا ً عن اناس يشبهوننا نركن اليهم بالشدد ونشد ازرنا بهم خاصة ان لم نجد حولنا من هو اهل لذلك فالتقوقع والتقهقر سيجلب لنا مزيدا من الخوف وعدم التطور وهنا شدني الحوار بشدة فلسنوات مضت ايقنت اهمية هذا الامر ولم يكن بسبب لحظات تأمل في مشفى بل عند تهجيرنا عام 2006 من بغداد فبعض اسرتي ظن انها النهاية ولكن كان في قلبي امل من ان بداية جديدة في انتظارنا خاصة ونحن قد خسرنا سنيين في تشكيل علاقات اجتماعية في منطقة سرعان ما اختنقت بنا بعد ان ايقنت من اننا لسنا من الاغلبية !! .
كونت صداقات جديدة بأنتخابي وبدون فروض من احد وضحكت من الدموع التي انهمرت في ما مضى على أسري فلقد ادركت ان يداي لم تكن مكبلة ! ولم يجبرني احد على شيء سواء في البقاء في وظيفة امقت كل جزئياتها أو من محيطين جل همي ان لا اتصادم معهم في حوار ولكن الخوف من التغيير والكسل هو من يمنعنا من البدايات الجديدة وخاصة في هذه الفترة التي صار الامر فيها اجباري فقد بات التخندق العقائدي هو سيد الموقف شئت ام ابيت فالمسألة تجاوزت الحوار وعبرت الى ضفة القتل والغدر وهنا لابد من وقفة مع النفس لما اكن في موقف اعرض فيه نفسي لذلك ؟! لما لا اتخندق مع من يشابهني عقائديا ً وأنسانيا ً .
أخبرت ابو احمد ان في حياتي تطبيقا ً لفكرته فالاستقرار النفسي اليسير الذي اعيشه في السنوات الاخيرة منبعه الاخرون فصفة من هذا وخصلة من ذاك اجد نفسي امام صيدلية لعلاج الروح ولم يسعني الوقت لاخبره عن أثر القراءة للاخرين كم له اثر فعندما اطلب الحماس ابحث عن اسماء معينة من الكتاب وعندما اطلب الشفافية اطلبها عند اخرين وربما امتلك البعض عدة الصفات ولكن في النهاية اتابع كل من اجده انسانا ً وافتخر باني اتبع وقع قدمه ووقع قلمه فأن طلبت الكمال عند احد فاني مخطئة وان اعتزلت لانني لم اجد فخطئي اكبر .
رسمت الساعة اكثر من دائرة قبل ان نغادر ! وودعنا ابو احمد للباب وخرجت لتسجل ذاكرتي أرقى جلسة وحوار لم اشترك بها لسنين فلقد كنت اعيش العزلة اللاشعورية فلم اكن اتحاور مع احد بعد ان اخذت انطباعاً ان هذا الامر غير مجدي في مجتمعنا وانتقلت للحوار الصامت من خلال المقالات واقترح ابو احمد ان نكون واسرته اللبنات الاولى في مشروع البحث عن الانسان وكنت حلفيته بحماس كبير .
مرت الايام وكنت فيها اتابع مع ام احمد حال ابو احمد هاتفيا والذي تراجعت حاله قليلا ورجع الى سرير التأمل مجبراً وفي احد الاتصالات اخبروني بان ابو احمد قد فارق الحياة ! .
شعرت ان الدنيا صفعتني قائلة لا تحلمي باكثر من الموجود فليس لكم غير ذلك .لم اكن اتوقع انه اللقاء الاخير وانه الحوار هو الاخير لم اكن اتوقع ان يترك ابو احمد المشروع وصفحاته بيضاء الا عن الخطوط الاولى لم اكن اتوقع ان تكون زيارتي التالية لهم عنوانها التعزية بفقدانه فالحوار لم يمتصه الجدار بعد .
وداعا ايها الحاج , وداعا ً ايها الباحث عن الانسان , ولازال البحث جاريا ً عن الضمائر والانسانية بين ابناء البشر .
نسالكم قراءة الفاتحة .
https://telegram.me/buratha