.بقلم: د. ميثم لعيبي *
غريبون وزراؤنا، فما أن يمسكوا (مقاليد) الحكم، حتى ينزلوا الى ساحات الإعلام (العنتري)، بدل أن ينزلوا الى ساحات الأعمال.
ها هو وزير المالية الجديد وكالة، وبدلاً من أن يدشّن وزارته بإخبارنا عن المشكلات الموضوعية التي تقف عائقا أمام إقرار الموازنة، وما هي الإجراءات الواقعية التي يمكن من خلالها التغلب على تلك المشكلات؛ ذات الطابع السياسي/المالي، فانه يطلع علينا بخبر غريب عن خطة إقراض المصرف الزراعي لعام 2013.
لا أقول إن الإقراض الزراعي أمر غير محمود، لكن الغريب، أن يعلن الوزير، أن الخطة ستعتمد على (ثالوث) الكثافة السكانية ونسبة الفقر ومعيار المحرومية!
في حقيقة الأمر، فاني لا اعرف وجه الاعتمادية هذا، وكيف يعقل مثلا، أن نعامل محافظة غير زراعية، حتى وان كان عدد سكانها كبيرا، بميزة تفضيلية عن محافظة أخرى زراعية، اعتمادا على صغر سكانها!!
هذه المعايير؛ ومن اطلاعي، تتعلق أكثر بالوزارة الأصلية التي ينحدر منها الوزير؛ اقصد وزارة التخطيط، فهذا اللغة اعرفها تماما هناك وهي تستخدم بشكل كبير في أروقة الوزارة وأوراقها، خاصة تقاريرها وستراتيجياتها المتعلقة بمعالجة الفقر وخارطة الحرمان.
يبدو أن الوزير، كان يحمل، عندما دخل أسوار وزارة المالية، حقيبة وزارة التخطيط بيده.. وهو ذات الأمر الذي فعله رئيس ديوان الرقابة المالية، عندما وطأت قدماه ارض البنك المركزي، فقد دخلها حاملا عدساته (الرقابية) المكبرة.. لا عويناته (النقدية) الثاقبة، ويمكن لكم أن تقرأوا مقالتي مؤخرا بشأن القيادة النقدية الجديدة للبنك.
افهم أن يتم وضع آلية للإقراض الزراعي، آلية تعتمد على نوع المشروع الزراعي (نباتي، حيواني..) أو على نوع الدعم (شراء انتاج، دعم اسمدة وبذور، بيع معدات وسيارات..) أو نوع القطاع (عام، خاص، مشترك..)، لكني لم افهم أن يتم وضع خطة للإقراض تعتمد على نسب الفقر أو خارطة الحرمان!
وزراؤنا (بالوكالة) ينطبق عليهم مفهوم (الذاكرة الأخيرة) ليس إلا، فهم يأتون من وزاراتهم الى الوزارات (التايهة)، وتعلق بذاكرتهم قواعد وزارتهم الأصلية. اما النتيجة التي يمكن ان تظهر في وزارة الوكالة فتكون هجينة: (وزارة المالية المخططة) مثلا، أو (البنك المركزي الرقابي) على سبيل الطرفة.
كنت أتمنى صادقا على وزير المالية وكالة، أن يتكلم لنا عن مخرج من أزمة الديون المترتبة بذمة الأكراد لصالح الشركات النفطية الأجنبية، كأن يجري (تقسيطها) لصالح الشركات، ان لم نتمكن من دفعها مرة واحدة من ميزانية 2013.
الوزارة لا بد أن تعطي رأيا حازما للسياسيين، يقول بعدم إمكانية رفع سقوف الإنفاق الحالية إلى أعلى مما هي عليه مثلا، مستخدمة لغة الأرقام، كأن تشير الى أن سعر برميل النفط الذي قدرت على أساسه الموازنة (90 دولار) مغالى به، أو أن تشدد على أن موازنة 2013 فيها اكبر نسبة عجز تفوق السقوف التي يقبل بها صندوق النقد الدولي.
كان على وزير المالية، بدل أن يتكلم (كونه وزيرا للتخطيط)، أن يستخدم لهجة أرقام توقف كل ضجيج السياسيين وتحسم أمر إقرار الموازنة، بضغط منه كونه صاحب رأي فني لا يمكن تجاوزه.
https://telegram.me/buratha