اذكر اني مره سألت والدتي عن مجموعة نجوم كنت قد رأيتها في السماء، كنت يومها طفلا صغيرا كباقي الصغار الذين يمضون ساعة قبل المنام بعد النجوم،وكان عدد النجمات لا يتجاوز السبع لكنهن مرتبات بشكل غريب..!.. فرفعت والدتي رأسها الى السماء ونظرت لهن، وبعد تأمل بسيط قالت إنهن بنات نعش.. كانت اجابتها واثقة، وبدت وكأني سألتها عن اسم خالتها..! فقدأ ذهلتني طريقتها بالأجابة، حتى اني لم اسأل عن معنى بنات نعش..لكنها وهي تعرف إلحاح الصغار، لم تنتظر أن أسألها، فتحدثت ساردة قصة بنات نعش المعروفة والتي غدت واحدة من أساطير موروثنا الشعبي العراقي..
وبقي شرح الوالدة عن بنات نعش مطبوعا في ذاكرتي ، فقد كنت اتأمل في السماء دوما في بنات نعش على امل ان ينتهين من تشيع نعشهن، ويبدأن مرحلة جديدة من الحياة..لكنهن بقين في السماء يشيعن نعشهن أبد الدهر..
حال بنات نعش ، أو حالنا ، هو مصيرنا أو قدرنا، ..نعوش، نعوش، ثم فقدنا حتى النعوش فصرنا نشيع موتانا سرا، ثم ما لبتنا أن تخلينا حتى عن التشييع، فقد صودر منا هذا الحق، وصار موتانا يشيعون ليس من قبلنا، لكن من قبل قاتليهم الى مقابر لا نعرفها وبقي موتهم وكيفيته سرا من الأسرار...
أحبة فقدناهم في ليل حندس نستدل عليهم اليوم من بقاياهم، أوراقهم الممزقة، خرق من ثيابهم التي كانوا يرتدونها ساعة فارقناهم، اسنانهم، ثناياهم ، خاتم في الأصبع أو ساعة..وحيدثا فحص الحمض النووي...
بنات عراق وأخوات عراق وأمهات عراق مازلن كبنات نعش، ونعش عراقي بالتأكيد.. فلم تفارق الأم والاخت والزوجة والأبنة لم يفارقن نعوش ذويهن، وهن اليوم يفزعن الى ذكرياتهن يشيعن تكرارا أحبة ذهبوا في وهدة الليل البهيم على أيدي جلادين قساة..
في نيسان 2003 استبشرنا خيرا بسقوط هبل البعثي، في صبيحة 94 من ذلك العام، ضننا ان بنات نعش سينهين مهمتهن الأزلية، وأننا عدنا من "حفلة" توديع نعوش موتانا، وأن اكتاف ارتاحت الرجال من حمل التوابيت والنساء سيتفرغن لأطفالهن بدلا عن البكاء والعويل، وأننا سنبني مستقبلنا هكذا خيل لنا، ولأول وهلة تصورنا أن بنات نعش سينزلن الى الأرض، وأن منظر النعوش الطائرة سيختفي الى الأبد، وأن الأنسانية ستغادر هذا المشهد الى الأبد..لكن المشهد اليوم يتكرر بأصرار بفارق واحد فقط..الفارق هو أن بنات نعش صرن يشيعن علنا مزيدا من النعوش...نعوش نعوش ..ولا شيء غير النعوش..
وقادة وساسة يتلمضون بدمائنا ، ويتعطرون برذاذ دماء شهدائنا ، يجلسون على عراسي مصنوعة قوائمها من أعظم سيقان الهياكل العظمية لشهداء مقابر بنات نعش..
أوه..لقد أعدنا في نيسان 2003 إنتاج مشهد بنات نعش ولكن بصيغة وأخراج جديدين..
أوه...
https://telegram.me/buratha