لم أتوقع حينما طلب مني أن اخبره بالاسم الظاهر على شاشة هاتفه المحمول، أنه لا يستطيع القراءة!! شاب في العشرينيات من عمره، أقرانه يتلذذون بنعمة العلم في كلياتهم، قلت له هل تشكو من قصر نظر أو شيء من هذا القبيل، رد مستغربا، لماذا..فقلت لأنك طلبت مني أن أقرأ لك الاسم الظاهر على شاشة هاتفك، فضحك مني قائلا: لا أستاذ آني (تمن ومرق)!. فزاد طينتي بلة، ما الذي جاء بالتمن والمرق الآن وأنا أسألك عن القراءة، فقال أستاذي، نحن نطلق على من لا يعرف القراءة والكتابة أنه تمن ومرق. استفهمت منه عن السبب في هذه التسمية فلم يحر جوابا. فرحت أحاول فلسفة هذا المصطلح وأنا المعروف بحبي للفلسفة، فشمرت عن ساعدي وجلست جلسة الفيلسوف. وهي للذي لا يعرفها عبارة عن قطع الكلام أمام سفرة الطعام، والشروع بالأكل والتأمل وعدم رد السلام، (لأن الزاد ما عليه سلام). بعد طول تفكير وعدد قليل من اللقيمات، وضعت الاحتمال الأول، القاضي بأن السبب في التسمية أن المرق يمثل المداد والتمن يمثل الورق، ولأن شباب اليوم يأكلون بالملعقة ولا يباشرون الطعام بأصابعهم، لذلك فهم أميون حسب قانون أجدادنا لا سيما المعازيب منهم. الثاني، حينما يختلط التمن مع المرق ينشأ شيء أشبه بالفوضى والعبثية، فلذلك سمي هؤلاء بهذه التسمية لما يشعرون به من فوضى وعبثية وهم يراجعون الدوائر الرسمية أو المستشفيات، حيث يظلون يدورون ويدورون في الممرات، ويتيهون كما تاه بني إسرائيل، إلى أن يأتيهم منقذ ما ويدلهم على المراد. الثالث، أن كلمة (التمن) مشتقة من التمني، و(المرق) من المروق، وهو الذهاب أو الخروج عن الشيء، ويكون المعنى أن هؤلاء يتمنون أنهم لم يمرقوا من المدرسة ولم يخرجوا عن طاعة آبائهم وأمهاتهم ومدرسيهم الذين أرادوا لهم التعلم والنجاح. هذه معان ثلاث خلصت إليها حينما خلصت اللقم، واكتفيت بهن من فلسفتي التأملية، بيد أني لم أكد أفرح باكتشافي الخطير وفتحي الكبير، حتى صدمت وأي صدمة، عندما اكتشفت أن أكثر العراقيين (تمن ومرق)، ليس بما يخص القراءة والكتابة، إنما بمختلف شؤون حياتهم وما يجري ويحاك في كواليسهم. والدليل على ذلك أني طبقت اكتشافي الخطير على ناسي وأهل بيئتي وهم الأغلبية من العراقيين، وظهر أننا لم نباشر شيء في هذه الدولة غير الحبر البنفسجي،(الفاهي)، ووجدت أننا في تيه كتيه بني إسرائيل ولا زلنا ندور وندور منذ عشرة سنين بحثا عن المخرج وسط هذا الكم الهائل من الفوضى، وبين هذا وذاك نقضي العمر(بالتمني) ومحاولة (المروق) من بين فكي الفقر والقتل، والله الستار. طبعا هذا لا يعني أنني ضد الإنتخابات أو انتخاب الأصلح..بيد اني اقول ما يدور بخلدي ومتفكرا بصوت عال لعلي أجد الجواب في ترددات أصدائي. وأخيرا نتساءل من يقوم بقتلنا وتفجيرنا، الجواب تمن ومرق، من يسرق أموالنا، ولم لم يتم القبض عليهم، الجواب تمن ومرق، من المسؤول عن تعطيل الحكومة وتنفيذ القرارات التي تمس حياة المواطن بالصميم، كذلك تمن ومرق. كيف يهرب المجرمون من السجون ومن المسؤول عن تهريبهم، نفس الجواب، إلى أين تسير الدولة وما الذي ينتظرنا في المستقبل، الجواب نفسه. وأخيرا أيضا من المسؤول عن التمن والمرق الذي يعصف بحياتنا ويكتنفنا من جميع الجوانب، ما الذي يلجمنا عن الكلام، ما الذي يمنعنا من القيام، يبدو أنه التمن والمرق الذي ملأ أجوافنا وارتفعت به كروشنا. أعتقد أنني سألجأ مرة أخرى لفلسفتي التأملية بحثا عن جواب، يا أهل الدار مدوا خوان الطعام، واسكتوا عن الكلام، ولا تسمحوا لأحد أن يتوجه لي بالسلام ، لأن الزاد ليس عليه سلام.
https://telegram.me/buratha