اعداد سامي جواد منقول من جريدة الوسط
لم تكن في تلك البادية مستشفى ولادة ولا قابلة. كان على المرأة البدوية أن تلد كما تلد سائر المخلوقات في البرية، لكن سوء الطالع جعل ولادتها عسيرة، لم تكن تعلم أن عسر ولادتها راجع الى أن الحمل لم يكن متموضعا في مكانه الصحيح في الرحم، كان متمددا عرضيا مما جعله يشغل مساحة في العرض لا يتسع لها الرحم، فتعسرت ولادته. منذ الحياة الجنينية كان لا يعرف موضعه الطبيعي، وكان يحب التمدد بأكبر مما يسمح به مكانه.
عسر الولادة سبب للجنين نقصا في تغذية الدماغ أصاب منطقة الذكاء في المخ بضرر لا يمكن علاجه.
اعتقد أبوه في البداية أن ولادته طالع سعد، فبعدها مباشرة نبع الغاز في قطر، لكنه لم يكن يعلم أن ما تصوّره طالعَ سعدٍ سيكون نحساً وشؤما عليه، فعلى يده سيكون زوال ملكه.
كأي أب يفكر بمستقبل ابنه ارسله للمدرسة.
في المدرسة لاحظ معلموه أنه لا يعرف الجلوس في مقعد الدراسة بشكل صحيح، تصوروا في البداية أنه يعاني من شيء ما بين إليتيه يمنعه من الجلوس في مكانه بشكل صحيح، لم يجرؤوا على التفتيش عن ذلك الشيء ولا عن مصارحة ابيه بذلك خشية أن يخدش حياء العائلة وقد يتسرب الامر الى القيان فيتغنوا فيه بأعذب الالحان، أو ينظم فيه شعراء المجون ما يؤدي لقضاء باقي عمرهم في السجون. لكن أحد معلميه استعان بطبيب المدرسة الذي استطاع أخيرا أن يكتشف أن الصبي لا يعاني من مشكلة بين اليتيه بالرغم من أنه كبير العجيزة، واستطاع ذلك الطبيب أن يكتشف أيضا أن عدم القدرة على الجلوس الصحيح في المكان المناسب هو خلل تكويني يعود للحياة الجنينية، وأن هذا الخلل هو الذي أدى الى عسر الولادة وتضرر منطقة الذكاء في الدماغ على أثرها.
كذلك اكتشف ذلك الطبيب أن هذا الطفل عنده خوف من الكبار، لسبب لم يفصح عنه، وأخبر العائلة أن هذا الخوف من الكبار قد يدفع به الى الانتقام ممن هو أكبر منه، لكنه لم يقل لهم اكثر من ذلك لأنه لم يكن يعلم الغيب، فقط قال لهم انه سوف يسعى لأن يكون كبيرا بأي ثمن.
لاحقا تم طرد هذا الطبيب من وظيفته لأنه تجرأ على فحصه وتشخيص علته.
في المدرسة بذل المعلمون جهودا مضنية لتعليمه القراءة والكتابة، لكنهم لم يحققوا نجاحا ذا بال، فمنطقة الذكاء المضروبة في الدماغ تجعل التعليم مهمة شبه مستحيلة.
عجزه عن التعلّم عرّضه لسخرية أقرانه الذين ربطوا بين عجزه عن التعلّم وحجم عجيزته، وألـّفوا في حقهما اهازيج تداولوها بينهم دون حرج، فلم يكن قادرا على فهم معناها الرمزي بسبب تخلفه العقلي. لكنه أخيرا بدأ يفهم ما يقال حول عجزه وعجيزته مما خلق عنده عقدة نفسية وشعوراً بالصَغار امام أقرانه الصِغار.
عندما شب هذا الغلام كبير العجيزة قرر أن يكون كبيرا.... لكن كيف؟ هذا ما لم يكن ليهتدي اليه بدون معلّم.
ترك المدرسة...لافائدة من المدرسة، جلس في البيت. ثنائية العجز والعجيزة القت بظلالها على حياته. تحولت لاحقا الى ثنائيات لا نهائية، لكنها جميعا محكومة بعقدة الصَغار التي تلح عليه أن يجد مكانا بين الكبار...كيف يكبر؟
بعدما ترك المدرسة كانت ثنائية العجز والعجيزة تنغص عيشه، قرر أن يستبدلها بثنائية لذيذة: الاكل واللعب. وفـّرت له هذه الثنائية فرصة جيدة لأن يكبر. الأكل الكثير يجعله يكبر، لكن اللعب يحول دون ذلك، فبالحركة والنشاط يستهلك بعضا مما أكله مما يعيق السرعة التي بها يكبر. قرر ان يهجر العاب الحركة الى العاب الجلوس. صار يأكل ويلعب "الاتاري" جالساً، الاكل واللعب ثنائية جيدة تتيح له أن يكبر بسرعة.
قادته ثنائية الاكل واللعب بشكل طبيعي الى ثنائية أخرى: المطبخ والحمام، وهي ثنائية عوضته عن الثنائية اللعينة: القراءة والكتابة
اكتشف اثناء اللعب بـ"الاتاري" اشياء كثيرة. تعلم مثلا كيف يطلب المساعدة، ففي كل لعبة يوجد حقل المساعدة حيث يتلقى التعليم على ادارة اللعبة...لابد له من معلم يدله على اصول اللعبة، هذا المعلم ليس عربيا، فالعرب لم يصمموا العاب الاتاري، وليس مسلما، فالمسلمون لا يحسنون شيئا (باستثناء القرضاوي)
اكتشف ايضا ان اللعب بالأتاري في عالم الصغار له نظائر في عالم الكبار.
في العاب الاتاري اكتشف ثنائية القوة والسلطة، حيث يستطيع الجبان وبكبسة زر أن يتمثل دور الشجعان وأن يستعين بعصابة من الاذكياء ليهزم الجيوش ويسقط العروش، أو يصل الى الكنز ويتقاسمه مع العصابة التي تمده بالخبرة والادوات دون أن تظهر على الشاشات(مع بعض الاستثناءات من باب الضرورات).
انه يريد أن يصبح كبيرا، لابد أن يخطط ليصبح كبيرا، والتخطيط يحتاج الى مخ لم يتضرر بعسر الولادة، كيف....؟ ....كيف؟
لقد تدرج من العجيزة الكبيرة الى البطن الكبيرة لكنه يريد أن يصبح أكبر، يريد أن يكون بحجم البعير، وأن يخاطَب بلقب أمير. هنا جاء دور المساعدة، الاستعانة بصديق، صديق ذكي يحسن التخطيط، صديق يحتل دولة صغيرة مستعينا بقوة كبيرة، يمتاز بالذكاء ويبحث عن فاقد للحياء مستعد لازاحة من رباه، من أجل أن يبلغ مناه.
وجاء الصديق شمعون يعلمه كيف يزيح اباه ليموت بفعل الحسرة والآه، ويجلس مكانه ويباهي بمجلسه اقرانه، متمتعا بثنائية جديدة: عجيزة كبيرة وقناة الجزيرة.
قال له شمعون: هل تريد أن تكبر أكثر؟ امارتك هذه صغيرة، وجنبك ملك كبير أنت بالنسبة اليه كبعرة في است بعير، سننفخك بالغاز ليتحقق على يديك الانجاز. أنفق المال الكثير وادعم حركات التحرير، واستخدم الدين وقضية فلسطين، واشتر القرضاوي ليصدر لك الفتاوي، وستكبر وتكبر حتى تصبح أكبر من البعير
- كيف؟
- باربعة حروف فقط
- انا لا أتقن القراءة والكتابة، وليست لي معرفة كاملة بالحروف
- ارجع الى ذاكرتك، الى طفولتك، الى تراثك
- وبعد ذلك؟
- ما هو ابرز شيء في تاريخك وبيئتك وثقافتك؟
- البعير..انه كبير
- سنجعلك اكبر من البعير
- لا يوجد أكبر من البعير
- يوجد... يوجد
- لا أعرف أكبر من البعير
- سنجعلك قائدا تاريخيا
- أنا لم أدرس التاريخ ولا "الجقرافية" في المدرسة "الغطرية"
- نحن ندرّسك، كما درسنا من قبلك
- لكم الفضل
- ستكون نجم الجزيرة العربية وقائد الجامعة العربية، وستنصاع لرغباتك دول الاتحاد الاوربي، وستكون الامم المتحدة في جيبك ومجلس الامن في حضنك. ستضع اميركا بيمينك واسرائيل بشمالك والناتو تحت أمرك، اما فلسطين فضعها في المكان الذي تراه مناسبا
- كيف؟
- بأربعة حروف
- اربعة حروف؟
- نعم، الباء والعين والياء والراء
- حسنا، بعير ...اربعة احرف
- يا لك من ذكي، استطعت ان تؤلف من هذه الحروف الاربعة كلمة
- وماذا اصنع منها؟
- بكل بساطة تصبح أكبر من البعير. تلاعب بالحروف لتصنع من البعير "ربيع" و"عربي" لتصبح أكبر من البعير
- كيف؟
- كن راعيا للربيع العربي
- يا لك من عبقري يا شمعون
- ...ها.....والأن، أنا خير لك أم ابوك؟
- ابي؟ من ابي؟ أنت ابي.
https://telegram.me/buratha