• عبد الجليل الزبيدي
عملنا معا في دوائر اعلامية مناهضة للنظام السابق , وكان مثقفا نهما في القراءة وكان كثير التساؤل حول مرحلة ما بعد زوال الديكتاتورية , وكأنه يتلمس التفاؤل والامل ببزوغ فجر جديد .صحيح اننا كنا نسير سوية في ركب التيار الاسلامي باعتباره الموجة الاعلى في ميدان الصراع مع ذلك النظام , الا ان الاسئلة والنقاشات التي كانت تدور بيننا تتجاوز الخطوط الحمر وتتعدى المحظور حينما نجول في احتمالات المستقبل والافاق الوردية للعراق .كان ذلك في عام 1995 .. وكم كان شغوفا ليرى شكل العراق اذا ما رحل نظام البعث , وكأنه يريد ان يجري مغنيا في بساتين بلدته النعمانية ويتقافز ليلامس الاغصان المتدلية المثقلة بالنارنج .سالني مرة , برايك ماذا سنكتب اذا حل ربيع الحرية في العراق ؟ اقترح ذات مرة كعلاج لشعبنا من مضاعفات الكبت والقمع والحرمان ان يصار الى اصدار قانون يسمح بشتم رئيس الجمهورية في العراق الديمقراطي لمدة دقيقة خلال الاصطفاف الصباحي في المدارس الابتدائية . ومن افكاره الفنتازية , ان تتحول المنطقة مابين ساحة الطيران ونصب الحرية الى هايد بارك يحتشد فيها المفكرون والمثقفون والكتاب والعبثيون ويصرخوا بصخب وجنون . لكن اخطر ما سأله صديقي هو عن قدرة الاسلاميين في مواجهة الاخرين عندما تنفتح فضاءات الحرية وتساءل : هل لدينا من يكتب مثل عبد الحسين شعبان وعبد الامير الركابي ؟ اجبته : ولكن لدينا عادل عبد المهدي , واقرأ مقالاته المميزة في جريدة الرافدين التي يصدرها بيان جبر صولاغ في دمشق ؟ لم أكن اعلم ان صديقي سعد سعدي مصاب بسرطان الدم الناجم عن تعرضه للغازات الكيمياوية حينما كان يقاتل في تلال مدينة حلبجة . في التاسع من نيسان عام 2003 وعند الساعة الخامسة وخمس واربعين دقيقة , كان ابو نزار السعدي مثل ملايين العراقيين يشاهد عبر شاشة التلفاز سقوط تمثال الديكتاتور , اسرع لاحضار الورق والقلم وبانت في مخيلته اطلالة الفجر وتنفس نسائم ربيع الحرية .. ابو نزار تاهت عليه الافكار مالذي سيكتبه وضربات قلبه هيجت من ضغط الدم فتحركت الشياطين القابعة في خلايا السرطان .. فاضت روحه من جسده المضطرب واخذت تركض امامه وتسبقه الى بساتين الربيع لتلامس الندى وتلعقه من على حبات النارنج المتدلية على جوانب الممرات الخضراء في بساتين النعمانية التي طالما قرأت معه : اقتصادنا .. راس المال , بين القصرين ومئة عام من العزلة .. رحمك الله يا ابا نزار .
https://telegram.me/buratha