ربما لا ينافسنا شعب باهتماماتنا وقدراتنا السياسية، إذ قلما تجد عراقي لا يتحدث بالسياسية، ولربما معظم "بسطاءنا وعامتنا" يستطيعون إن يقرؤوا الواقع السياسي، بدراية يحسدهم عليها كثير من "ساسة" شعوب غير شعبنا...ولقد قيل قديما أن العراقيين شعب مولع بالسياسة، وهو شأن لا يحتاج الى جهد كبير لتفسيره..فهيهنا بنيت أول الحضارات، وهيهنا تشكل أول نظام سياسي عرفته البشرية، وهيهنا سبقنا الجميع في إنشاء أول مجلس للنواب بالتاريخ...!وقد كتبت فيما سبق في هذا الموضوع لكن من زاوية أخرى..!
أول مجلس نواب عرفته البشرية هو "الكاروم" الآشوري، وكان لكل مدينة من مدن الإمبراطورية الأشورية "كارومها" المتشكل من أعيانها ورؤساء المهن والحكماء والكتاب أيضا!..ومن مجموع الكارومات يتشكل الكاروم الأعظم الذي هو بالضبط مجلس نواب الشعب العراقي آنئذ..!
"كنا" شعب حي، حي بمعنى حيوي وفاعل ومنتج ومؤثر بالإنسانية، "كنا" هكذا، بل كنا قادة الإنسانية سياسيا وعمليا، لغاية ما كانت الكوفة عاصمة لأول وآخر دولة عدل في الأرض..تلك كانت دولة علي بن أبي طالب عليه السلام، وبعدها لم نستطع المحافظة على هذا النظام السياسي العادل..
يا لخيبتنا وخسارتنا..لقد خذلنا أنفسنا وخذلنا إرثنا وخذلنا حتى أسلافنا أهل أول "كاروم"..لصالح أنظمة جاهلة ظالمة مستبدة ديكتاتورية، وكنا فرحين باستبداد خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس وسلاطين الترك والمماليك والقز والخزر و... ولكننا بقينا سياسيين..فقط هذه تحسب لنا..!
ومثلما هي سنن الأمم ومثلما يحصل في كل مكان، يتلقف الآخرين ما تبنيه فيحاكونه، فيما أنت تهدم ما بنيته..هذا بالضبط ما فعلناه، تخلينا عن أن نحكم أنفسنا بطرق مقبولة، وقبلنا مرة طائعين ومرة مرغمين ،أن نحكم خمسة عشر قرنا بالطريقة التي ذكرتها.. ولكننا بقينا سياسيين..فقط هذه تحسب لنا..!
في هذه الأثناء كانت أمم أخرى تنقب في تاريخنا، وكانت تحاكي ذلك التاريخ لأنها وجدت فيه نقاطا مضيئة جديرة بأن تحاكى... وتلك مفارقة أن يحاكي آخرين ما صنعنا فيما نحن نغادره ناكصين..لكننا بقينا سياسيين..فقط هذه تحسب لنا..!
منذ عشر سنوات في مثل هذا اليوم بالضبط، ركلنا آخر السلاطين، وبدأنا مسيرة العودة نحو أنفسنا..نحو الحياة..لكننا منذ بداية هذه المسيرة، واجهنا مشكلة لم تخطر على بالنا قط سيما نحن "كلنا" سياسيين بطبيعة الحال! وهذه خطوة متقدمة لأن السياسة باختصار هي الحياة، والشعب الذي يعرف قيمة الحياة هو شعب واعي ومثقف ومعلم، لكن المشكلة تكمن فيمن يتصدى لقيادة العمل السياسي أي النخبة السياسية التي يجب أن تتمتع بمقومات القيادة من ثقافة وطموح و قدرة على قراءة الماضي واستطلاع الحاضر واستشراف المستقبل.
المشكلة ببساطة أننا شعب من السياسيين فيما يقودنا رجال ليسوا مثلنا سياسيين، رجال لا يتوفرون على الحد الأدنى من المعارف السياسية.. لكننا لم نكن سياسيين حينما قبلنا بهم، وهذه تحسب علينا..!
كلام قبل السلام: تلك هي المشكلة التي ربما ستعيدنا الى عهود السلاطين..!
سلام..
https://telegram.me/buratha