حافظ آل بشارة
انتخابات مجالس الولايات في الدول الديمقراطية ، تبدأ بالشعب وتنتهي به ولا يوجد اعتبار آخر ، قوائم انتخابية تعلن مرشحيها الخاضعين لمعايير الكفاءة والنزاهة والتخصص ، المرشح يدرك من هو جمهوره وماذا يريد وما هو واجبه ، يشرح للناخبين مشاكلهم ، هو اكثر منهم دقة والماما بتلك المشاكل وخلفياتها ، فيحبه الناس ويقتنعون به لانه يفهم ماذا يريدون ، ثم يشرح برنامجه الانتخابي ، وهو مجموعة مشاريع لتطوير وحل مشاكل الولايات مبوبة ومختصرة ، الناخبون يقرأون بدقة ويقارنون بوعي بين مشاكلهم في الواقع وبين البرنامج الانتخابي للمرشح ، فتتشكل القناعات الاولى وتظهر مؤشرات التأييد وما على المرشح الا تقوية تلك القناعات باللقاءات والحديث المباشر مع الاهالي ، بعد فوز المشرح ينتقل مؤيدوه من مرحلة التصويت له الى مرحلة المراقبة والتقييم لاداءه ، ثم تأتي مرحلة الجزاء فان نجح قابلوه بمزيد من الدعم والتأييد ، وان فشل انقلب عاليها سافلها وبدأ فتح الملفات وحملات الرأي العام وقد تصل الامور الى المحاكم . هذا السياق يمكن ان ينطبق ببساطة على انتخابات مجالس المحافظات في العراق ، لكن عندنا اختلاف كبير في الناخب والمرشح وما بينهما ، المرشح يفتح ابوابه للجميع ويلبس دشداشته ويشترك في اعداد الولائم على طاولات طويلة في بيته ، الناس تأكل وهو واقف ينادي : (جيب تمن ، جيب مرك ، وزع خبز ، صب لبن) ويتجول على سكان بيوت الصفيح باكيا منكسرا ، واذا رأى الاطفال في الشارع راح يعانقهم واحدا بعد الآخر ، واذا صادفه احد لديه مشكلة ابتسم له بحنان بالغ وخاطبه بتواضع : (لماذا لم تأت الى بيتي ، هذا ليس بيتي بل بيتكم انتم اهلي ، تأتي وتدخل بلا استئذان ، وتشرح مشكلتك وتحصل على حل فوري وانا الممنون !!!) فاذا فاز في الانتخابات تغير كل شيء ، فجأة ، سيارات مظللة ، مسلحون يركضون بكل الاتجاهات لاهثين ، الشارع الذي فيه بيته مغلق ، اذا مر من هناك أحد ناداه هاتف من وراء الحواجز : (ابتعد وين رايح مدشوف ؟) ، واذا وصل احد الى نقطة الباب الاولى المؤدية الى نقطة الدخول الثانية ثم الثالثة قبل المنزل خرج مسلح بدين يشبه رائد الفضاء وعلى وجهه نظارة سوداء ، متجهم غاضب وصاح به : من انت وماذا تريد ؟ فيجيبه الناخب اريد ان اقابل الاستاذ عضو مجلس المحافظة ، انا أحد الذين صوتوا له ، وقد وعدني بحل مشكلتي ، اريد ان اقابله لمدة خمس دقائق ، اجابه رائد الفضاء المدجج بالاسلحة المميتة بغضب وسخرية : اذهب لمقابلته في مجلس المحافظة ، هذا بيت وليس دائرة ، ثم يضرب الباب خلفه ضربة لها دوي مرعب ... هناك مرشح من هذا النوع في بغداد نجح في تسويق نفسه في الانتخابات السابقة وفاز ثم اختفى خلف السيارات المظللة والحواجز والحمايات ولم يره أحد ، واليوم في الدورة الجديدة ظهر بدشداشته الأولى بعد غيبة مذهلة وهو يمد طاولات الطعام وينادي من جديد (جيب تمن جيب مرك) ويعانق الاطفال وعلى دشداشته تسيل محتويات انوفهم الرطبة فيتبرك بها ، من جديد اخذ ينادي : هذا ليس بيتي تعالوا ابوابي مفتوحة للجميع ... اغلب الناس ذاكرتهم السياسية ضعيفة فهم قد يصدقونه من جديد فيقعوا في الفخ ، فيفوز باصواتهم ليغيب مجددا وغيبته هذه المرة لا ظهور بعدها لأنه الفوز الأخير ، فهل ينتبه الناس الى هذه القصة ؟
https://telegram.me/buratha