لا يمكننا بسهولة تجاوز العجز الكبير في مرتكزات الحكم المتثلة بالديمقراطية والشفافية والمحاسبة، فلقد تناسل هذا العجز بشكل أميبي انشطاري بمتواليات هندسية 1 :256:16:4:2...وهكذا بتصاعد خارج حتى حدود المقايسة.. وخلافا لكل ذوي النوايا الطيبة من الذين يطرحون برامجا إنتخابية تعد بالتغيير، وهم صادقون فيما يعدون بناءا على نواياهم، أجد أن النوايا هذه غير قادرة على تدارك هذا العجز، لأن هذه البرامج على مصداقيتها سوف لن تتوفر الفرصة لمن طرحها أن ينفذ منها حتى ما نسبته 50% منها، وتغدو هذه النسبة متفائلة جدا قبالة كم العجز التراكمي...
ما العمل؟..وهل أن ما أقوله محاولة تيئيس؟..أبدا ليست كذلك، فهي محاولة وضع الأمور في نصابها بعدم القفز على حقائق الأشياء..فالعملية السياسية التي شرعنا بها منذ 2003 طبعت بطابع الترقيع السياسي ليس إلا، ولم نستطع تثبيت معايير منطقية في العمل السياسي فصرنا نرى ظواهر عبثية، ومصداقها أن في الصفوف الأولى من الحكومة والدولة من كان يوصف الى وقت قريب بأنه من أزلام النظام السابق وأعوانه، ومنهم من منع من المشاركة في الإنتخابات السابقة لكنه اليوم تفرش له السجادة وتطوى له الوسادة!...وبين مسؤولي الصف الأول في الحكومة من لا يزال يقول أنه ينتمي إلى المعارضة!.. وكان من الممكن أن تكون ثمة إضافة نوعية للمشهد السياسي لو سلكت العملية السياسية سبيل دمج طاقات جديدة في المشهد السياسي، لا تحمل أمراض المعتقين من كائنات السياسة، التي أستنفذت كل ما لديها ولم يعد بإمكانها أن تضيف شيئا جديدا في حياتنا.. فالمعتقين المصابين بمرض اللعب على الحبال وتغيير الأتجاهات على طريقة سائقي سيارات السايبة..! اليوم معك، غدا، لا بل عصرا يكونوا عليك، في المساء يهدؤون قليلا ويكونوا حياديين، عند منتصف الليل يشتغل عندهم دوار الفيسبوك، ويتحولون الى صبية يكتبون بأسماء مستعارة..! صباح اليوم التالي مع الحكومة، في الساعة العاشرة صباحا ضدها..ترحال بالمواقف وتغيير بالأتجاهات لا يمكن أن تتوقعه حتى ماغي فرح..!
بالنسبة لمستقبلنا وتقدمنا وتطورنا فإن هذا سير عكسي في اتجاه التاريخ، وهو عكسي أيضا في اتجاه التقدم. وبدل أن يكون للزمن الذي مضى من عمر تجربتنا الديمقراطية إضافة نوعية في الحياة السياسية أو في المشهد السياسي، أصبح "الزمن" ثقيلا وعائقا وأفقد المصداقية في العمل السياسي..وبدل أن نبذل مجهودا من أجل تعديل المسار ومزيدا من الديمقراطية والشفافية، المفضيتان الى مزيد من المحاسبة التي تنتج عدالة ترضي الضمير الشعبي، فإننا ما زلنا نسير "رونكَ سايد"!!!
إن من يقول بأن العراق يسير في إطار مسار تراجعي وان هذا المسار يجب أن يتغير، ليس مخطئا ولم يجانب الصواب، وأن على الساسة أن يصغوا الى أصوات المتحدثين بمثل هذا الحديث، فأصواتهم وإن بدت في أول الأمر خافتة خفيضة، إلا أنها اليوم بات لها صدى تردده الكتل الكونكريتية الضخمة التي مازالت تفصل بين الكثير من أحياء بغداد، ومازالت تفصل بين الإتجاهات والرغبات والسياسيات..
كلام قبل السلام: الحياة قائمة على التدافع بين ما هو صواب وبين ما هو خطأ، وبين ما هو حقّ وبين ما هو باطل، وهو سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”....
سلام.....
https://telegram.me/buratha