عبد اللطيف الحرز
أخيرا وافق نوري المالكي على اعلان اغلاق ملف حزب البعث, بل ومنح رواتب تقاعدية لفدائيي صدام, وقبول عضو الفرقة البعثية في مناصب الدولة. أخيرا انتهت أسطورة المختار الجديد "صكّار السنة" , الحاج أبو اسراء حامي المذهب, الموقع على إعدام الطاغية. الأمر الذي يكشف حقيقة خصوم المالكي بكونهم خصوما لا يعرفون الوطنية بقدر معرفتهم للمال, ويحرصون على الطائفية حرصهم على المناصب.
سيقول بعضهم إن هذه واقعية سياسية لإنهاء أزمة البلاد, فماذا يفعل المالكي فهو إن رفض مطالب تظاهرات الحقد في الانبار سيكون طائفيا بنظر السنة وأصدقائها القطريين والسعوديين والأتراك. وإن قبل بمطالبهم سيكون جبانا منهزما في نظر الشيعة وايران, فماذا يفعل؟!
ونقول القضية قضية واقع إذن؛ لماذا كان معبودكم الحزبي غير مهتم بالواقع ويبالغ في العزف على أوتار الدين والطائفة, وإن مبادءه العقائدية فوق كل شيء وقبل كل شيء. إما أن يكون معبودكم سياسيا مثاليا طيلة كل هذه المدة فإذن هو صانع الأزمات التي عصفت بالعملية السياسية، وإما أن يكون شخصا ميكافيليا برغماتيا لا دين ولا عقيدة له حقيقة سوى منصبه الرئاسي وخيرات بطانته المالية، فهو إذن مجرد مُستخدم للمذهب كغطاء يخفي قصوراته الإدارية.
أربع سنوات تضخم فيها المالكي.. تحول فيها إلى كونه هو الحزب والدولة (يخاطبه المذيع: سيادة دولة القانون!) وهو بلا فصل: المذهب. فكل حركات المالكي حكمة يجب تبريرها لا تفسيرها, فالحق معه يدور حيثما دار.
سبق أن قلنا أن حزب الدعوة دخل مرحلة نزع الأقنعة، وليس لديه أي مشكلة في ذلك, فسبق لحزب الدعوة أن ضرب كل مبادئه المذهبية والحركية عشرات المرات أيام النار والرماد, والآن يكرر المواقف ذاتها في زمن الثمار والحصاد. المشكلة هي في التربية على العبودية التي تعرض لها الانسان العراقي. فالانسان العراقي (الشيعي بالخصوص) تعرض لتربية يُكذب فيها عينيه حتى في مسألة ظهور هلال العيد, فيبقى صائما بانتظار فتوى الأب الديني. ويُكذب فيها أذنيه فلا يسمع إلا أخبار القنوات الفضائية للحكومة والطائفة. والعيب ما يعيبه شيخ الحارة وشيخ العشيرة. تنضم إلى ذلك الأنانية المفطرة, إذ تتغير فيها المواقف من النقيض إلى النقيض ما أن تعلن الحكومة قرار منح رواتب وتعويضات لهذه الجهة أو تلك. هكذا ظهرت أصوات تجمعات رفحاء, وجمعيات السجناء, و غيرهما. تزمّر لواهب المنح السماوي.
الإنغلاق في ثقافة دينية جريحة أعمى شرائح كثيرة بكون الدين اليوم ليس سوى لعبة مصالح ليس إلا. هذه الأحزاب لا دين لها, وهذه العمائم مُتحيزة مُسبقا. أقول ذلك وأنا مدرك أن جملة من الناس تشعر بالبرد الشديد لكونها تتلحف بالأصنام وتستأكل بالمعبد. وشراة العبودية هؤلاء الذين تخدعهم مظاهر الاشياء الآنية والمذاق السريع للأطعمة الجاهزة ولا تعنيهم المكونات الداخلية للطبخة ولا الأعراض المستقبلية للأمور, لذا هم لن يفرقوا أبدا بين البلسم والسم.
سيأتي ذات يوم ويتنحى المالكي عن منصبه, عندها سيتحول في عيون عبّاده من ملاك يلتمسون بركته إلى شيطان يتعبدون برجمه. ساعتئذ سيتناثر الصنم المقدس كأي حجر آخر يُداس في الطريق. عندها فقط سيتعلم المالكي الدرس الكبير: الذي يتقدم الناس على إنه الراعي وهم القطيع, لابد أن يلحقوا به يوما وينطحونه بقرونهم!
https://telegram.me/buratha