محمد حسين السعدي
كانت ولاية العراق تعتبر منفى بالنسبة للولاة العثمانيين الذين يقوم السلطان العثماني بتنصيبهم كولاة فيه، وذلك لبعد بغداد عن عاصمة الخلافة العثمانية اسطنبول أولا، ولعلم من يريد أن يتولى بغداد بأنه سيحاط بسيل من المشاكل والمعوقات، ولذلك من النادر أن نجد واليا عثمانيا حازما وسياسيا محنكا قبل بولاية بغداد، إذ لم يكن لمثل هؤلاء الشخصيات رغبة في حكم بغداد، فكان من يقبل بولاية بغداد من موظفي البلاط العثماني واحد من اثنين: إما موظف غبي فاشل، فيقبل بولاية بغداد كتعويض عن فشله في اسطنبول، وإما حرامي يريد أن يسرق من ثروة العراق ثم يفر هاربا. ويحدثنا صاحب كتاب (بغداد من سنة 1900 الى سنة 1934) عن صور من غباء الولاة العثمانيين، فيقول: أن واليا كان اسمه حسن باشا لا يجيد القراءة والكتابة، فكان إذا أراد التوقيع على أمر من الأوامر الصادرة منه والتي يحررها الكتَّاب طبعا، يكتب رقم 8 ثم يترك قدر إصبع ويكتب رقم 7 ثم يوصل بين الرقمين خطا لتؤلف كلمة حسن، فكان هذا حظه من العلم.وكان للوالي المبجل صديق من شيوخ العشائر يزوره بين الحين والآخر يقدم له الهدايا، والوالي يستأنس به فيستبقيه عنده بضعة أيام، فيبقى الشيخ العربي في مجلس الوالي من الصباح حتى المساء يفطر مع الوالي ويتغدى معه ويتعشى معه، ويرى الداخلين والخارجين، حتى يحين موعد النوم، حيث يأتي كبير خدم الوالي ليقرأ على فخامة الوالي قائمة المصروفات في ذلك اليوم، والتي غالبا ما تكون من قبيل:بامية بثلاث قروش، لحم بعشر قروش، سمك بعشر قروش وهكذا الى أن يصل الى: داماد ويريلان ثلاث ليرات. فكانت قائمة المصروفات تقرأ على مسامع الوالي كل ليلة قبل النوم، وبينما كان الوالي يمضي ليخلد في فراشه، كانت الأفكار تدور في رأس الشيخ العربي حيث يحدث نفسه، لقد أكلنا البامية اليوم، وأكلنا اللحم وهكذا كل المأكولات وجدتها على سفرة الطعام، إلا هذه الأكلة الغالية (داماد ويريلان) والتي سعرها ثلاث ليرات لم نأكل منها شيئا.ومرت الأيام والأمر يجري كما هو، فعيل الشيخ العربي صبرا، فسأل الوالي ذات ليلة:مولانا الوالي، في كل يوم يأتونك بقائمة المصروفات، وكل هذه الأكلات المذكورة فيها أكلناها بفضلك، لكن هناك أكله غالية بثلاث ليرات وهي داماد ويرلان لم نأكلها لحد الآن؟فضحك الوالي وقال: هذا داماد ويرلان مو أكله، فقال الشيخ: لعد شنو هاي حضرة الوالي؟ فقال الوالي: هذا نسيبي. فاستغرب الشيخ العربي، فقال: نسيبك يعني شنو؟ فقال الوالي: نسيبي يعني ماخذ بنتي! فقال الشيخ على بساطته: ماخذ بنتك شيسوي بيه؟ فرد الوالي: متزوجهه، وينام يمهه!فقال الشيخ العربي: هذا لأنه ينام يم بنتك تنطيه بالليلة ثلاث ليرات؟ فقال الوالي: يعني شنو؟ فقال الشيخ: مولانا الوالي، انطيني ثلاث ليرات بالشهر وأنا أنام يم نسوانك كلهن.قصة هذا الشيخ الساذج تذكرنا بالسيد أردوغان ونسبانه في العراق، مع فارق في طموحات الرجلين، إذ كانت غاية طموحات حسن باشا أن ينام الداماد ويرلان مع بنته فيقدم له في سبيل ذلك كل الإمكانات المادية والمعنوية، إما السيد أردوغان فطموحه أكبر في تقديمه الدعم المادي والمعنوي والإعلامي لنساباه، لأنه يريد من نسبانه أن يمهدوا له حكم العراق.
https://telegram.me/buratha