السيد حسين هادي الصدر
ظُلْمٌ على ظُلمقد تتراكم الظٌلامات وتتلاحق لتكون محصلتها النهائية ، رهيبةً في حجمها، وطعمها المرّ ، وآثارها السلبية .وقديماً قال طرفه بن العبد :وظُلمُ ذوي القربى أشدُّ مَضَاضَةًعلى المرءِ مِنْ وَقْعِ الحسامِ المُهنّدِوحين يمارس القريبون الظلم بحق قريبهم ،يطفح الكيل ، وتنهّد عُرى الصبر ، ويعربد الاستنكار في كل خلية من خلايا جسمه ، ويتمنى لو أنّه كان نَسْيّا منسيّا !!ودوائر القرابة قد تتسع وتتشعب وتصل الى مديات يصعب الإحاطة بها ، ولكنّ دائرة الاسرة الواحدة التي يقف على رأسها الوالدان معلومة واضحة ، وغريزة حبهما لأولادهما، يُضرب بها المثل، في قوتها وعمقها وصدقها وبُعْدِها عن كل ألوان الاصطناع....واذا كان العشّاق يهيمون بحُبِّ الفاتنات، فان الوالِدَيْن يهيمون بحبّ الأبناء والبنات ، الى الحدّ الذي يتفوقون به عليهم، ويظل هذا الحُبُّ مستعرَ الأوار، في جميع الأحوال والأدوار .جاءني يوماً احد الأصدقاء يسألني عن شابّ تقدّم لخِطبة ابنته الوحيدة، وفاجأني بسؤال غير معهود فقال :لو كنت مكاني وجاءك هذا الخاطب هل تزوجه بِنْتَك ؟قلتُ :الحديث الشريف يقول :{اذا جاءكم مَنْ ترضون خُلُقَه ودينَه فزوجوه ، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير }وهو فيما أرى يتسم بِخُلُقٍ رضيٍّ ، والتزامٍ بأهداب الدين، فلماذا أَرُدُّه ؟قال :انني لو خُيرّت بين أموت وتبقى ابنتي، أو تموت وأبقى ، لاخترت الشق الاول .وهو بهذا يعبّر عن عاطفةٍ أبوية جياشّة بلغت مَعَهُ حداً يفتدي ابنته بنفسه .نعم ان الولد فلذة الكبد ، وثمرة الفؤاد ، وواحة الأمل ...وكم قال الشاعر :وانما اولادنا بَيْننا أكبادنُا تمشي على الارضِوقال الآخر :وَصُنْ ضحكة الاطفال ياربِّ انها اذا زغردت في مُوحِش الرملِ أَعْشَبا وياربِّ مِنْ أَجْلِ الطفولةِ وَحْدَها أفضْ بركاتِ السلم شرقاً ومغرباً وانما خصَّ الأطفال ، لالأنهم أعزّ من الكبار، بل لأنهم الاكثر احتياجاً الى الرعاية والعناية بحكم امكاناتهم المحدودة ...وفي هذا السياق، يعظم الاستنكار والتنديد، بما قام به بعض المتوحشين من الأباء مؤخراً ، من الاقدام على خنق ابنته حتى الموت ، غسلاً للعار .ان ابنته المظلومة القتيلة ،أَقْدَمَ على اغتصابها ذئبٌ بشريّ، لم تستطع معه الدفاع عن نفسها وشرفها فلقد خْطفتْ ثم سيقت مقهورةً اليه .وقد تم إخفاؤها عن أهلها ، تحاشياً لوقوع ما وقع ، ثم انّ أباها باغتها وقام بخنقها ،في انتهاك واضح صريح للقيم الانسانية والدينية والحضارية كلها .وهكذا صُبَّ عليها العذاب، بالخنق بعد الاغتصاب .شلّت يَدُ الخانِقِ ، الذي تحوّل من خندق الأبوة الرحيمة الى خندق الجريمة اللئيمة،المدانة بكل القواميس والمعايير السماوية والأرضية .لم يكن القاتل يملك قلباً كقلوب الآباء، وانما كان يملك قلباً قُدَّ من صخْر، وقد ضيّع الرشد كما ضيّع الرحمة والشفقة، وتدحرج الى السفوح مذموماً يبوء بآثامه وإجرامه .ان المجتمع العراقي، برموزه العلميّه والفكرية والأدبية والإعلامية، لابُدَّ ان يكون له موقف صارم في مثل هذه الانتهاكات الصريحة للانسانية البريئة ، بغية اشاعة ثقافة الحفاظ على احترام الانسان وحقوقه بعيداً عن القهر والظلم والاعتساف .
https://telegram.me/buratha