أياد السماوي
كان المجلس الأعلى هو الفصيل الإسلامي الوحيد داخل الائتلاف الشيعي الموّحد الذي رفع شعار الإقليم الشيعي , ولم يترك مناسبة إلا وطالب فيها بضرورة قيام هذا الإقليم على لسان زعيمه المرحوم عبد العزيز الحكيم , في حين كانت الفصائل الشيعية الأخرى كالدّعوة والفضيلة والتيار الصدري ترفض قيام مثل هذا الإقليم على أساس طائفي , على اعتبار أنّ قيام مثل هذا الإقليم سيؤدي إلى الانفصال العملي في المستقبل , وبالتالي فإنّ قيام مثل هذه الأقاليم على اعتبارات طائفية ستمّهد الطريق لتقسيم البلد إلى ثلاث دويلات .
وبالرغم من كل الاتهامات التي وجهّت إلى المجلس الأعلى ولزعيمه المرحوم عبد العزيز الحكيم في هذا الأمر , إلا أنّ الأحداث التي مرّ بها البلد بعد هذه السنين وهذه التجربة المريرة , أعادت إلى الواجهة من جديد شعار فيدرالية الوسط والجنوب , فالكارت الأصفر الذي أشهره حزب الدعوة الإسلامية ورئيس الوزراء نوري المالكي تحديدا بوجه هذا الشعار , لم يعد مقبولا , خصوصا خلال السنتين الأخيرتين الماضية .
فالأسباب التي عارضنا من أجلها قيام مثل هذا الإقليم وإن كانت تبدو صحيحة في حينها , إلا إنّ الوقائع على الأرض قد أثبتت إنّ أحلامنا في تجاوز انتمائاتنا القومية والطائفية وصهرها في بوتقة الانتماء للوطن الكبير , تبدو شبه مستحيلة , وهذا أيضا له أسبابه ومسبباته التي لم نعد قادرين على تجاوزها أو الانفلات من شرنقتها .
فالأقلية السنّية لا تقبل أبدا بأقل من الحكم , واي حقوق لا تعيد إليهم الحكم تبقى ناقصة في نظرهم , فهم قد تعوّدوا عبر التأريخ أن يكونوا مذهبا حاكما وليس مذهبا محكوما , بالرغم من أنّ الحكم في العراق الجديد يشارك فيه الجميع ولا يوجد فيه مذهب حاكم ومذهب محكوم , لكنّ هذا الشعور المتأصل في نفس السنّي العراقي ورغبته في التسيّد على باقي الطوائف الأخرى , قد جعل من عملية الانصهار في بوتقة الوطن الواحد أمرا مستحيلا .
فالأحداث قد اثبتت إنّ معظم السياسيين السنّة الذين شاركوا في العملية السياسية الجارية في البلد هو ليس من أجل انجاح هذه العملية , بل من أجل تخريبها وتوفير الفرصة لاختراقها من الداخل , فمعظم القادة السنّة أمّا متورط بشكل مباشر بالإرهاب والقتل الجاري في البلد , وإمّا متورط بتنفيذ أجندات خارجية تستهدف تدمير العراق والمنطقة برمتها .
وبالرغم من كل المساعي التي بذلها السياسيون الشيعة من أجل تجاوز آثار الماضي والانطلاق نحو المستقبل وبناء دولة المواطنة , إلا أنّ هذه المساعي جميعا وللأسف الشديد قد اصطدمت بالجدار الطائفي البغيض الذي لا يعرف إلا احتقار الغير ونعتهم باقذع التوصيفات والشتائم , وها هم خطبائهم في منصّات الفتنة الطائفية شاهد حي على صحة ما نقول .
فالشارع الشيعي وحتّى النخب المثقفة منه قد توّصل إلى قناعات في أنّ الاستمرار بهذا الطريق سوف لن يؤدي إلا للمزيد من الدماء والآلام , والمخرج الوحيد للخلاص من هذا الوضع المتأزم هو في إحياء مشروع إقليم الوسط والجنوب والعمل من أجل تحقيقه , فأحلامنا في الوطن الكبير قد تلاشت وسحقت , ولا بدّ من العمل جدّيا على حقن دماء الناس والحفاظ على مصالحهم , وقد آن أوان التنّعم بثرواتنا , فليس من المنطق أن يسرق الآخرون هذه الثروات ويتنعمون بها ويستخدمونها في قتلنا وإراقة دمائنا ونحن محرومين منها لا لسبب إلا لأننا آثرناهم على أنفسنا , ولو كنّا قد تصرّفنا منذ البداية كما تصرّف القادة الأكراد , لما حدث كل هذا , فهل يستطيع أحد أن يغمزهم ويتهمهم بالسعي لتقسيم البلد ؟ .
فالوقت لا زال سانحا وممكنا والدستور والقانون لا يمنعا إنشاء هذا الإقليم , وعلينا الاتفاق مع الطرف الكردي في إقرار مشروع قانون الحدود الإدارية للمحافظات العراقية من أجل إلغاء كل التغييرات التي أجراها النظام السابق في حدود هذه المحافظات وإرجاعها إلى ما قبل عام 1968 .في الختام أقول رحمك الله يا عبد العزيز الحكيم وأسكنك فسيح جنّاته , فقد ظلمتك حين طالبت بإقليم الوسط والجنوب , أعذرني سيدي فقد كنت من الحالمين بالوطن العراقي الكبير .
أياد السماوي / الدنمارك
https://telegram.me/buratha