مقالة رائعة للكاتب المبدع كاصد الاسدي
فرحت جدتي فرحا شديدا وهي تقف بشغف الى جانب التلفاز كي تتابع اخر التطورات في اخبار البلاد وسياسات العباد , حقيقة جدتي متابعة من نوع خاص لقوة خرافيه تتناسب طرديا مع فطرتها , لكني وبصراحه استغربت وتفاجئت كثيرا من فرحها واندهاشها عندما سمعتها تتمتم بشفتيها المعسولتين وتتحرك بذراعيها المتجعدين وكأنها تريد ان تستعرض لنا قوتها بانها سجلت هدفا او كسبت شئ ما فقدته
جدتي المسلوب صوتها بفعل فاعل لم تتعرف عليه بقيت نيتها مبنية للمجهول لانها عادت بخفي حنين من المركز الانتخابي الذي يبعد عن بيتنا ( مدك جيله ) حسب تعبيرها .. نعم مدك جيله هو القياس الذي اعتادت جدتي عليه في حساب المسافات فهي لم تعتاد على استعمال الوحدات الخاصه بقياس المسافات كالاميال والكيلومترات والامتار . وما زاد دهشتي واستغرابي الحديث الذي طال بينها وبين جارتنا العجوز ام علي ذات الخامسه السبعون عاما حيث تكبر جدتي بسنتين , الحديث الذي اعتدنا عليه نحن الجيران في مدخل دارنا .. كان حديثا من القلب نابع الى القلب .. حديث العجايز لطالما استمتعنا في (سوالفهن ) في طفولتنا .. ولكن هذه المره نحى حوار الجدتين منحا سياسيا بحتا حيث تناولن اهم التطورات في الساحة السياسيه واخر المساعي لحلحلة الازمات ..
واذا بجدتي الحنونه تفاجئ صديقة عمرها بسؤال مبطن اجابته تحتفظ بها مسبقا لشدة متابعتها للاخبار . كان سؤال جدتي صارخا مدويا لدى العجوز الاخرى التي هي الاخرى لم يحالفها الحظ لتدلي بصوتها في سبت 20- 4-2013 لمجالس الخدمه في محافظاتنا العزيزه . كبقية المئات او الالاف ممن لم يستطيعوا الادلاء باصواتهم ذلك اليوم وكأن ذلك تم بقصد و عمد . ولا زلت ازداد استغرابا وانا ارى الجدتين قد غمرتهما الفرحه برغم عدم انتخابهما اي قائمة او مرشح , عندها صارحتني جدتي بانها سمعت مساء هذا اليوم بأن الانتخابات ستكون الخميس القادم وهي اول الناخبين وسوف لن يسرق صوتها هذه المرة واعطتني اسم القناة التي سمعت فيها الخبر , فما كان لي بال يهدأ حتى وجدت صحة للخبر ..
نعم وجدت الخبر صحيحا كما قالت هذه الحنونه التي قلبها ينبض بحب العراق بقدر حرمانها من التصويت ..روحها وقلبها يحترقان لضياع اصوات الناس .. وعثرت على خبر جدتي . نعم ستكون هنالك انتخابات ولكن اية انتخابات .. فوجدتها انتخابات الاتحاد الاسيوي لكرة القدم في الخميس القادم والمرشح هو يوسف السركال الذي رددت اسمه ( الحجيه اكثر من مره ) بقولها ( اي حبوبه والسركال هم يدري بالانتخاب ) عندها طأطأت برأسي الى الارض وانسابت الى مدامعي دموع غزيره غمرت مقلتي لهذا المشهد التراجيدي الذي جسدته الانسانه الوفيه جدتي بكل وفاء واخلاص لشعبنا ووطننا العزيز بهدف تغيير الواقع المرير من اجل خدمات افضل .. ولخوفي عليها عندما يأتي الخميس لاسيما وهي نسبة السكر لديها فاقت ال 400 وضغطها العالي مابين 15-17 .
للاسف هذاالمشهد الحزين وهذا الحرص والندم لم نجده على وجوه شبابنا الذين راحو يجوبون مراكز الاقتراع وكأنها رحلة تسليه لديهم .. فما كان منهم التأكد اكثر على اسمائهم المفقوده !..لا ولا كلفوا انفسهم للصعود للطابق العلوي في المدرسة نفسها عسى ان يجدوا اسمائهم هناك ! . فما علينا سوى ان نثقف ونثفق جدا على كيفية تحديث سجل الناخبين للمرحلة القادمه . كلمة " تحديث " تلك الكلمة التي اجهزت على تطلعاتنا وامالنا وجعلتها في ادراج الرياح فلن تتكرر ان شاء الله وعمرا طويلا لجدتي بطلة المقال .
https://telegram.me/buratha