علي جاسم
أخيرا طفت على السطح نوايا حقائق ووجوه فعلية لمن يقود تظاهرات واعتصامات (المدن المنتفضة) ضد الحكومة العراقية، في شمال وغرب البلاد، وراحت تعلن عن أهدافها الجذرية والحقيقية بإقامة أقاليم سنية في هذه المحافظات، بدءا من الأنبار ومرورا بتكريت وسامراء وانتقالا إلى كركوك والموصل وديالى، وكأن هذه الأقاليم هي الحل الهادئ المريح والسهل لجميع ما يعانونه من مشاكل وما يطالبون به من طلبات منذ أربعة أشهر مضت على اعتصامهم وهم يعتقدون ان (آخر الدواء الكي) إلا انهم صاروا يطالبون بالقطع والتقسيم وتحويل البلاد الى أقاليم متعددة، كل محافظة بإقليم أو أكثر، ليضمنوا تحقيق مطالبهم التي ينادون بها كإطلاق سراح معتقليهم وعدم زج النساء بالسجون وإسقاط التهم عن قياديهم المتهمين بقضايا إرهابية وجنائية وصولا إلى أهم هدف ينشدونه وهو (حكم أنفسهم بأنفسهم) والاكتفاء بالاتباع لحكم الشيعة عشر سنوات، كما يصرحون.هؤلاء المنتفضون والمعتصمون كانوا وخلال أربعة اشهر، يطالبون بطلبات بعضها كان من الممكن تنفيذه ونفذته الحكومة فعلا، في حين كان الأغلب منها يتعارض مع القانون والدستور والعملية السياسية والمنطق، كالعفو عن المتهمين بقضايا الإرهاب وفي مقدمتهم المدانان (الهاشمي والعيساوي)، وإعادة كتابة الدستور لأنه كتب على (عجالة)، وحل البرلمان (العاجز)، وإسقاط الحكومة (الصفوية)، وتبديل رئيس الوزراء الذي اصبح (ديكتاتورا)، ومن ثم اختتموها في يوم الجمعة الماضي بدعوة المتظاهرين إلى الاختيار بين خيارين، وكلاهما مرّ، بين تشكيل الأقاليم أو الحرب الأهلية، دون ان يوضح قادة الاعتصامات للمعتصمين عن حقيقة ما سيترتب عليه خيار الأقاليم من آثار سياسية وأمنية واقتصادية وتجارية، وبالطبع دون معرفة رأي المواطنين الآخرين في كل محافظة، والذي عبر معظمهم عن رفضهم للمشروع بصراحة وشفافية دون إطالة تفكير أو تيهان بالمشاعر القومية والمذهبية، كذلك من بعض أخطاره وجود أكثر من قومية وطائفة في المحافظة الواحدة كما في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين وسامراء، ولو أخذنا نينوى كمثال بسيط لعلمنا ان مصيرها سيكون أربعة أقاليم وليس إقليما واحدا، أي حسب مكونات المحافظة طبعا، مما يعني ان الأقاليم ستكون مشاريع تقسيم واضحة بغض النظر عن دستوريتها وقانونيتها ومشروعيتها.الخروج بتظاهرات وتنظيم الاعتصامات والمسيرات الجماهيرية للمطالبة بتشريع قوانين أو إلغائها أو الاعتراض على تصرف حكومي أو تشريع برلماني، هي إجراءات دستورية وقانونية نص عليها الدستور العراقي الذي صوت عليه ملايين العراقيين، كما انه أحد حقوق المواطن في العراق الجديد بان يعبر عن رأيه وصوته لتصحيح أي مسار قد يراه خاطئا أو متلكئا بعض الشيء، وهذه الاعتصامات والتظاهرات ينبغي ان تكون خاضعة لقانون ينظم وجود قادتها وعدد عناصرها وأهدافها وحدودها المكانية والزمانية، وهو قانون التظاهر الحاضر الغائب، ولكن ان تكون هذه المسيرات والاعتصامات الاحتجاجية عشوائية وفوضوية وتسمح لكل من هب ودب ان يقودها ويعلن فيها ما يشاء فأن مسيرتها ستكون عرجاء وأهدافها شوهاء، وستنعكس نتائجها عليها ، وهو ما نراه الآن من ضجة كبيرة حول نوايا قادة الاعتصامات بإعلان الأقاليم ورفضها الشعبي في مدنهم قبل الحكومة المركزية في بغداد.
https://telegram.me/buratha