كثيرا ما تصل الامم والشعوب الى مفترقات طرق شائكة ومعقدة وهي حالة لا تنفرد بها امة عن اخرى ولا شعب على اخر هذه العقد وتلك المفترقات هي التي تفرز الامة الى منطقتين احداهما بيضاء والاخرى سوداء. تلك الالوان تحددها المواقف والافعال تجاه مايحدث في داخل الامة وحولها من صراعات واحداث خطيرة ومصيرية وبين المواقف البيضاء والمواقف السوداء مسافات واضحة وتباين مفهوم ناشيء مرة من تباين المصالح واختلافها تجاه اصل القضية ومرة ينشأ من صحة وخطأ القراءة لتلك الاحداث وبالتالي خطأ الحكم عليها
وثالثا تنشأ عاطفيا كرد فعل تجاه ما يدور حولها (القضية ) من دون النظر الى مركزها (اصلها) بل يكون توجه الانظار في الحكم الى انتماءات طرفيها دون موضوعها وتفاصيلها ولان تلك المواقف ناشئة من اعتباراتها الخاصة وظروفها المحيطة بها ففهمها يسير وواضح وهي بائنة لا اختلاط بينها ولا تدليس والحكم عليها يصبح يسير وسهل وواضح وفي تاريخنا الوطني والاسلامي مواقف كثيرة من مثل ما اسلفنا ولانها اما بيضاء واما سوداء فقد نظر اليها التاريخ ونظر (بتسكين الظاءوتشديده) بوضوح وعلل الاسباب بجلاء وصار الحكم عليها تاريخيا اما بالصواب او بعكسه منطلقا من تلك الاعتبارات الواضحة واصطبغت الوان اطرافها بالوانها الاصلية يا اسود يا ابيض
اما ماكان منها لا ابيض ولا اسود واصطبغ باللون الرمادي فهي تلك المواقف المتارجحة والافعال المهتزة اللا ثابته والتي كانت في سيرة الامم مستهجنة وممقوتة ان طبيعة المواقف والوانها بالتاكيد متلونة بطبيعة الشخوص وبنيانهم الشخصي والوضوح في اطلاق الاحكام مرتبط دون شك بوضوح مصدرها وفي تاريخنا الاسلامي امثلة كثيرة حكم التاريخ على شخوصها بالتارجح وعدم الثبات والاهتزاز في الشخصية قبل ان يصدر حكمه عليهم باعتبار مواقفهمفالمنافقين الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم في اكثر من ايه مثلهم الله بعدة اوصاف كالكذب وفي قلوبهم مرض والذين لايفقهون ولايعلمون وكل هذه الاوصاف تدلل على مرض النفس واهتزاز الشخصية وتوقع صدور الاحكام والمواقف المتارجة من هولاء متوقع حدوثه بنسبة تقترب الى اليقين لم يرحم التاريخ ولا الناس امثال هولاء ابدا فمن خلى برسول الله (ص ) يوم احد والخندق وغيرها من المعارك والعقد المهمة في مسيرة الاسلام ورسالته ومن وقف يتفرج على التل يوم صفين حين اقتتل جيش الامام علي (ع ) وجيش معاوية ومن تلون باللون الرمادي يوم ذبح الحسين (ع ) في ارض صفين كانت مواقفه المهتزة واحكامه المتارجحة ولونه الرمادي سببا في المعيبة منه والانتقاص من شخصه والعار الذي الصق به فالمتلونون بالالوان الواضحة كانت مواقفهم مفهومة (وكل اناء بالذي فيه ينضح ) اما من كانت الوانه مختلطة ومواقفه مختلة فحكم الناس والتاريخ عليه كان مخزيا له وقاسيا عليهوالعراق في تاريخه الحديث مر بمفترقات طرق وعقد شائكة كانت الرؤى فيها احيانا غير واضحة والصور مشوهة هذه الرؤى وتلك الصور كانت تحتاج منا الى التدقيق والتمحيص والدقة في الفرز قبل ان نضع اقدامنا في الطريق الذي نختاره صادفتنا طرق وعرة سار فيها من كان واضح الرؤية عارفا بالمسالك والاتجاهات وسار في الاخرى اخرون اشتبهت عليهم الاتجاهات وضيعوا الاحساس بابعاد الزمان والمكان وكلا الطريقين رغم اختلافهما كانا اما ابيض واما اسود اما البعض ممن ملكته صفات النفاق فقد كان لونه لونا مختلطا كمواقفه المتارجحة فصار يهرف بما لايعرف وينطق بما لايفهم ويتصرف بما لايعقل امثال هولاء عبء على الامة وخطر جسيم ينهش كيانها وافة تؤدي بنا الى الهلاك وهم في الحقيقة كابن ابي السلول واصحابه المنافقين وكبعض كبار اهل الكوفة الذين قالوا للحسين ع في يوم الطف (قلوبنا معك وسيوفنا عليك ) ومواقف امثال هؤلاء تثبط من عزم الهمم وتقوي صفوف العدو وتمزق وحدة الامة .ومن الواضح جدا ان المشكلة السياسية التي يمر بها العراق اليوم ليست بالمشكلة الهينة ولا بالسهلة وهي في حقيقتها ليست بين حكومة المالكي والمتظاهرين ربما قد يكون ظاهرها يبدو كذلك وهذا الامر يحتاج منا الى التدقيق والتمحيص والفرز وتوضيح الصور المشوشة التي يحاول البعض تلبيسها على الناس فهي في حقيقة ما افرزتها الوقائع والاحداث اليومية هي معركة بين العراق كأمة وبين الارهاب كعصابة وبين حرية الشعب واستعباد البعث وبين الوطنية والطائفية .ليس كلنا راضون عن حكومة المالكي ولا هي بالحكومة المثالية التي كنا نتمناها وليست كل المواقف والافعال الصادرة من هذه الجهة بالمرضية عند الجميع لكن الامر الذي لايمكن القفز عليه ان هذه الحكومة منتخبة وقد اختارها الشعب بارادته ومن خلال عملية انتخابية شارك فيها الاغلب الاعم من العراقيين ومحاولات القوى المناهضة للعراق من شخصنة صراعها مع المالكي محاولة خبيثة الغاية منها تحييد البعض والاستفراد بالبعض الاخر لكنها محاولة مكشوفة كشفتها طبيعة الخطابات ونوعية الممارسات والجرائم الحاصلة والمتحصلة من تلك القوى والتي فضحت اهدافها المشبوهة المرتبطة بعواصم التكفير وفرض الارادات ولوي الاذرع واستبعاد وتهميش الاخر .طبيعة هذه المؤامرة مفترق طرق وعقدة جديدة في مسيرة العراق والسائرون في اتجاه العراق وشعبه ومستقبله ساروا في الخط الابيض الناصع البياض دون النظر الى خلفيات وانتماءات وتوجهات السائرين بحذوهم سواءا كان المالكي او غيره ,والسائرون في الطريق الاسود فهم ماضون الى سواد اشد واكلح واغمق سيلونون وجوههم وهاماتهم به ولن يرحم الشعب ولا التاريخ ولا ضمير الامة من يضع قدما هنا وقدما هناك فاليوم اما ان تكون ابيض واما ان تكون اسود ولن يقبل ابنائنا باللون الرمادي بعد الان ابدا .
رياض ابو رغيف
https://telegram.me/buratha