حافظ آل بشارة
انتهت انتخابات مجالس المحافظات على الأرض بمقدماتها وذروتها ، وبقيت العبرة لمن اعتبر بالخواتيم المرتقبة ، وهي تشكيل التحالفات في المجالس الجديدة ، كان ائتلاف المواطن هو مفاجأة الموسم ، ونجم الاحتفال ، وله تقرع الاجراس وترفع القبعات كما يقال ، وسيكون مفاجأة التحالفات ايضا ، ائتلاف خرج من دائرة التوقعات المتشائمة والتهديدات الأخوية العارية والمبطنة ليكون الفائز الاكبر ، صاحب الشارة الصفراء والنخلة الخماسية ضاعف استحقاقاته ، لم يعد بيضة قبان ، او رقما يضاف لغيره ، بل اصبح هو القبان وهو الذي تلهث خلفه صغار الارقام وعجائز الكتل ، اصبح ينظر بعطف لمن خسروا نصف قوتهم واصبحوا يتوكأون على حلفاء غير مضمونين ، هذه المفاجأة جديرة بأن تؤخذ منها العبر . لكن بداية النجاح لاحت واضحة في المشهد الاعلامي المبكر الذي سبق الانتخابات ، كانت عملية اقناع منهجية معيارية ، وهي فن راق قائم بذاته ، يجيده القليل ويجهله الكثير ، تقول الاستبيانات ان الاعلام الانتخابي لائتلاف المواطن كان نموذجيا ومؤثرا ، وهذا صحيح وأحد اسرار تلك الحملة انها بنيت على ثلاثة اعمدة : 1- الجولات الميدانية ، والحضور على الارض ، والتحدث الى الناس مباشرة في تجمعات انتخابية منظمة ، الهدف منها اعلان وشرح البرنامج الانتخابي ، وقد نهض بهذا البرنامج رئيس الائتلاف بنفسه السيد عمار الحكيم ، ثم تابعه على ذلك عدد من القياديين في الائتلاف ، قاموا بجولات في المحافظات ، ثم جاءت جولات المرشحين انفسهم ، وكل هذا الحضور الميداني كان مدروسا في زمانه ومكانه وموضوعاته . 2- الحملة الاعلامية الخاصة بالانتخابات التي نفذتها مؤسسة الفرات الاعلامية عبر وسائلها وهي قناة الفرات واذاعة الفرات بمركزها وفروعها في المحافظات والشبكة الالكترونية ومواقع التواصل ضمن خطة واحدة ، لها اهدافها المرسومة بدقة ومراحلها وموضوعاتها وسياستها ، وكان هناك تكامل عالي المستوى يحدث لاول مرة بين هذه الوسائل الاعلامية سمعية وبصرية ولكن بهدف موحد . 3- الاعلام الجماهيري المحلي في بغداد والمحافظات بوسائل البث او بالتواصل في المنطقة الواحدة ضمن اعمال التنظيمات ودوائرها وخلاياها الاصغر . يقول المراقبون ان هذه التجربة يجب ان تدرس من قبل المهتمين بالانتخابات والمؤسسات الديمقراطية في البلاد ، يجب دراسة الخطط والاساليب والسياقات التي تقف خلف هذا الانتصار ، التعرف على المكتب الانتخابي لائتلاف المواطن وكيف ادار الشأن الانتخابي تخطيطا وتنفيذا واشرافا بهذا المستوى من الدقة والمواكبة ، دراسة اسلوب الجولات القيادية المؤثرة وطبيعة الخطاب الموجه ، طريقة ادارة التجمعات والحشد الواسع المنظم واستخدام العلامات والالوان والشعارات ، يجب دراسة الاداء الاعلامي والمنحى التصاعدي فيه والذي جاء دقيقا ومتسلسلا وعلى مراحل تتوفر فيها كل شروط البروباغندا الناجحة ، كذلك المكاتب الانتخابية في المحافظات وتجربتها ، هي تجربة عراقية ، وملك للشعب العراقي ، وهناك فارق ايضا ميز هذه التجربة وهو اتخاذ اطار اخلاقي صارم يحرم التشهير بالمنافسين ، في وقت ظهر منافسون يعتقدون خطأ انهم لا يمكن ان ينجحوا الا اذا اسقطوا الآخرين ورسموا لهم صورة الفاشل في الرأي العام ، وهناك فرق كبير بين من يعيش على نجاحاته ومن يعيش على فشل الآخرين ليحول التنافس الشريف الى تناحر فريقين من الفاشلين الفائز منهم هو الاقل فشلا !!! ائتلاف المواطن قلب المعادلة ، فبدأ بتعريف نفسه للجمهور ، ثم شرح مشروعه السياسي القديم ، وبرنامجه الانتخابي الجديد ، ثم اعادة توصيف المشاكل التي يعاني منها المواطن بتفاصيل وارقام دقيقة ، ثم اعطاء تعهدات بالحل ، وتفرد بفرض شروط قاسية على مرشحيه لانهم مكلفون بخدمة الناس وليس بالترؤس عليهم . هذه التجربة يمكن تفكيكها بدراسة اوسع وتقديمها الى جميع الاطراف اللسياسية للاستفادة منها في الاداء الانتخابي العام او المحلي مستقبلا ، لكي يكون في هذا الوطن المعذب نافذة ضوء ، لكي لا نفتقد رائدا حاضرا في الشدائد له تقرع الاجراس .
https://telegram.me/buratha