الجمع بين التجارب المتعارضة لا يمكن أن يتم إلا من خلال تخلي كل تجربة، بحكم مقتضيات التواصل الإنساني، عن بعض مما يخصصها ويفصلها عن التجارب الأخرى، بإزاحة التنافر وباستحضار ما يوحد ويجمع لتتحول إلى صيغة تفيد الجميع، وحينها فقط، نكون قد خرجنا نهائيا من دائرة التجربة المخصوصة (المحدودة في الزمان وفي المكان )، لنلج عالم الإرث الوطني والاجتماعي المشترك الذي يبيح لنا الحديث عن الهوية والوجدان والطبيعة الخاصة بهذا الشعب.
لكن ومع الأسف فإن الأمر ليس هكذا، إذ أنه وعوضا عن توفير الإمكانات المادية والبشرية والسياسية وتوظيفها لتطوير منظومة العمل الوطني ، وجدت هذه المنظومة نفسها أسيرة في قبضة الساسة المستندة لأهدافهم السياسية لا إلى مرجعية الشعب الكلية..ولذلك تجدنا نسير بخطى حثيثة نحو اللا وطني..ويوما بعد يوم تتكشف لنا حقائق من أن بيننا ليس بوارد الوطن، بل هو في وارد فئته وطائفته وحزبه وفي أكثر الأحيان لا يحضر أمامه غير شخصه..
لقد أضحت حركة المنظومة الوطنية ضمن مقتضيات الصراع السياسي الغامض والملتبس والمرتبك فقط، وبدلا من أن يسعى الساسة لاكتشاف مواطن ضعفها وخللها ، تجدهم يسعون وبلا كلل لإضعافها وتقويض أسسها .. وكمثال على ذلك هو أن الساسة وللدوافع التي أشرت إليها، أخرجوا منظومة الخدمات من حيزها المهني والمؤسساتي، وأدخلوها في مسارات التوظيف السياسي والفئوي والحزبي والشخصي، ولذلك فشلت مجالس المحافظات ..
لقد تداخلت معالم الخدمات في معالم السياسة، ووظفت الدولة وميزانيتها من قبل (قبضة السياسي) لخدمة مستقبله لا مستقبل الشعب، ومجالس المحافظات التي انتهت ولايتها أول أمس،وعلى الرغم من صلاحيتها الدستورية والتشريعية والتنفيذية الواسعة، إلا أنها كانت تلعب لعبة (الحية والدرج) تلك اللعبة التي قلما يربح لاعبها مهمة المجالس الجديدة ستكون عسيرة ومعقدة، فألى جانب واجبها الذي أنتخبت من أجله وهو بناء حكومات محلية خادمة، فإن عليها إخراج الخدمات من نفق السياسة المظلم..
45/5/https://telegram.me/buratha