مكي الكليدار
كنت في أسطنبول لحضور مؤتمر (واقع الاعلام العراقي بعد عشر سنوات) الذي عقد هناك. وفي يوم الختام اتصل بيَّ مساءاً أحد المسؤولين في جريدة البرلمان ليبلغني بأن الحماية التي خصصتها وزارة الداخلية للجريدة قد تم سحبها وان العاملين فيها قد تركوا المبنى خشية تعرضهم لحادث اخر مماثل لما حدث في الاول من نيسان الماضي. عدت في اليوم التالي الى بغداد ووجدت العاملين في اضطراب شديد، وكثير منهم قد انقطع عن الدوام ولم يباشر عمله.وحاولت الاتصال بمن هم بعيداً عنا، وقد حضروا جميعاً فعقدت اجتماعاً بصفتي رئيس مجلس ادارة الصحيفة، وكانت شكواهم انهم لا يستطيعون ان يغامروا بحياتهم فحاولت تهوين الامر عليهم، وان يلتزموا الهدوء ويعودوا الى العمل، الا ان اياً منهم لم يستجب، على اعتبار ان الذي حدث من عدوان على الجريدة مطلع نيسان الماضي امر يمكن حدوثه مرة اخرى. وابلغوني بأنهم قرروا ان يمتنعوا عن العمل الى ان يصحح وضعهم الامني اولاً، وانهم كانوا قد أصدروا بياناً بأسم هيئة التحرير في غيابي وقد ارسلوه الى الجهات الامنية المعنية والى نقابة الصحفيين يعلمونهم فيه انهم اعلنوا (اضراباً) عن العمل الى حين عودة الحماية التي كلفتها الداخلية الى مكانها. ولم أفاصلهم بذلك لكونه حق ديموقرطي كفله لهم الدستور.كما ابلغني العاملون بأنهم قد قرروا عقد مؤتمر صحفي بمناسبة (اليوم العالمي للتعبير عن الحريات الصحفية) وانهم سيبلغون وسائل الاعلام لتغطية ما يجري في مؤتمرهم الصحفي . وتحت وطأة أن ظروف البلد لا تحتمل أزمات جديدة , استطعت اقناعهم بأرجاء عقد المؤتمر حتى يتوفر لنا الوقت للأتصال بالجهات الامنية لعل وعسى ان تتخذ اجراءات تطمينية , فلا تعود هناك حاجة لعقد مؤتمرهم، فوافقوا على ذلك , وقرروا التريث في عقده.حاولت خلال الايام الماضية الاتصال بالمسؤولين في وزارة الداخلية غير ان من اتصلت بهم لم يكترثوا لمعاناة الزملاء, ولم يطمئنونهم بالامان. ولكن كان هناك امل في وجود مخرج لهذه المشكلة وصح ما توقعته، فقد اتصل بنا مسؤول نحترمه ونقدره في وزارة الدفاع ودعانا الى لقائه، وقد تم ذلك فعلاً، واثناء لقاءنا به تم ترتيب عدة لقاءات لنا مع مسؤولين اخرين وجدت فيهم الحرص على حفظ امن العاملين، وكان موقفهم فعلياً جدياً عندما ارسلوا الى مبنى الصحيفة حماية تؤمن حياة العاملين فيها. لينتشر الخبر بين العاملين سريعاً فيهبوا فرحين مستبشرين لينهوا أضرابهم ويتحملوا مسؤولياتهم أمام جمهور قرائهم . من هذا نخلص الى ان هناك من يهتم بحياة المواطنين والصحفيين منهم على وجه الخصوص. فشكراً للسادة المسؤولين في وزارة الدفاع على مبادرتهم الكريمة هذه . وسلاماً لأحبتي العاملين في الصحيفة من محررين وفنيين وخدمات , يوم ضمدوا جراحهم , ويوم اعلنوا أضرابهم , ويوم باشروا أعمالهم . وهنا لا يفوتني ان اؤكد بأن (البرلمان) ورغم ما تعرضت اليه من ترهيب ستظل تواصل مسيرتها لخدمة العراق الجديد، ولن يحول التخويف والترعيب دون مواصلتها لنهجها في قول الحقيقة مهما كلف الامر.
https://telegram.me/buratha