سعيد البدري
في غرة شهر رجب المعظم وفي وقت اقرب ما يكون فيه الانسان الى ربه بعد انتهاء شعائر صلاة الجمعة العبادية وفي مكان هو الاقدس عند ضريح الامام امير المؤمنين علي عليه السلام تحققت امنيته ووفى عهوده لله ولابناء امته ولطالما ردد (كنت ولازلت ارجو من الله ان تكون خاتمة عمري الشهادة وهو ما حصل فاستجيب الدعاء ويجتمع مع هذه الاستجابة الجواب الذي اراده سبحانه وتعالى, نعم فقد كان الموعد وتم اللقاء انه لقاء الحبيب بالحبيب ونهاية طريق المشتاق للحظة اللقاء, انه موعد يكون فيه الفناء غاية في التكريم وتقطع الاوصال منتهى المكافأة وبلوغ الامل ولسان الحال يعبر عن حقيقة توقفت الالباب عن فك رموزها وتحليل شفراتها المعقدة لان خلوص النية وحضور العزم على البذل والعطاء كان السمة الغالبة على مشهد التضحية لاجل التقرب والاستزادة من هذا التواجد القريب والقريب جدا من ساحة الرحمة الالهية وكان المشهد الذي اريد له ان يخلد في ذاكرة الجميع هو ذات المشهد الذي اختطه ائمة الهدى وعناوين التقى ائمة اهل البيت عليهم السلام، فالقتل لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة فلقد شكل اهل هذا البيت الذي يريد بعضهم ان لاتبقى له باقية علامة فارقة اثبتوها لنا بشكل عملي وهو الخلود والالتحاق بركب الشهادة والشهداء ولا يتحقق ذلك من فراغ قطعا فالشهادة اصطفاء ولاينالها الا ذو حظ عظيم ولمن اراد فقد مثل سلوك شهيدنا السيد محمد باقر الحكيم منتهى سلوك العبد المطيع لربه, العزيز وسط قومه , الرافض للذل والهوان ,المنكر للخنوع وهذه سلوكيات قلما تتوفر في من يرى الدنيا مقبلة فيزهد بها مؤثرا الذوبان بذات الله وليس هذا فحسب فرسالة القدر التي اريد لها ان تكون واضحة بقدرة الواحد الاحد لم تكن الا تكريما لشخص الباقر الحكيم وردا لاجما لالسن طالما تطاولت على منهج الهي قويم لازالت خطوطه العريضة ومساحاته الواسعة تحتاج الى من يعمل عليها ويعطيها حقها بحثا ومناقشة وتطبيقا. ولمن شككوا نقول ان مسيرة شهيد المحراب وتجربته واراءه السياسية التطبيقية لم تكن اختراعا مستقى من رؤى واستنتاجات شخصية بل انها قناعات نتجت عن فهم عميق مؤيدة ببصيرة مجتهد وعالم رباني استمسك بكتاب الله وسنة نبيه والائمة الاطهار عليهم السلام فقد كان رضوان الله عليه نتاج مدرسة مقاومة وصبر امتد عمرها لاكثر من 1400 سنة ، لذلك فان الله سبحانه وتعالى انتصر لنفسه بتخليده لهذا المنهج الرصين المخلص وعبر عن رضاه باختياره تكريمه وتقليده وسام الشهادة في هذا التوقيت وفي هذا المكان بالذات انه رد وأي رد ابلغ من ذلك؟... سيدي ابا صادق كلما تذكرناك تسألنا وعنوان هذا التساؤل هو هل اننا انصفناك وهل نستطيع ذلك حقا ولست ادري كيف نستطيع انصاف رجل في مرتبة قائد انصف الجميع من نفسه ولم يطلب يوما منهم غير ان يكون خادما لهم مدافعا عنهم وان قال من كان في قلوبهم مرض غير ذلك لكنهم اكتشفوا بعد ان مضى حكم القدر انك عظيم !!؟ سيدي انت السؤال الكبير الذي لازال يطرح في ذاكرة هذا الزمن ولازال يزلزل عروش الطواغيت.. كيف لأمة ان تتجسد في رجل وكيف يكون الرجل امينا على مصير امة؟؟ اعتقد ان السؤال لازال حائرا ويبحث عن اجابة لا امتلكها وقد لايمتلكها الكثيرون ممن عاش معك وتلمس النور الذي كان يفيض بين جنباتك وقد اكون مغاليا ان قلت انك قربان عبورنا واختيارنا ان نمضي بدونك لانك اخترت ان تكون الدم الذي يعبد لنا طريق الحرية طريق لا ظلمة بعده فكان حضورك واستشهادك نورا وسلوك منهجك مدعاة لتحرير الارادة فكنت كاجدادك العظام وهو مايراه اصحاب البصائر النافذة لم تتوقف الحياة بل امتدت ولم تظلم السماء بل اشعت فكان دمك محركا لان نمضي مسلحين بالارادة لانهاء ما بدأته حين هاجرت فردا وعدت امة تحمل مشروع الخلاص والانعتاق امة من رفاق الدرب وفيهم للشهادة استعداد وللتضحية والفداء عنوان ولان الدماء لاتذهب سدى فقد انتصر من أمن بك لانه ايمان بقيم وثوابت السماء التي لم تتاجر بها يوما وكنت امينا على رسوخها في الضمائر والافئدة نظرت الى غدنا فقلت اننا نريده ان يكون غدا يضمن لاجيالنا الحرية والاستقلال والعدالة , الكرامة والمساواة , الرفاه والعيش الكريم ,غد لايمكن لجيوش الظلم والعدوان ان توقفه عن المضي قدما يرفض فيها ابناؤك الخضوع للمستبدين مهما كانت الاقنعة التي يختبئون وراءها ... نعم يا سيدي لقد علمتنا كيف نرفض قولا وفعلا ، وعلمتنا ان نركن ونركع رددت حيا (( هيهات منا الذلة )) ورددنا ورائك (وينه الحاربك وينه صدام النذل وينه) فنطقت تلك العبارة الخالدة (وينه) وتنبأت بمصيره حتى قبل ان تظهره شاشات التلفزة بذلك الشكل المخزي حين قلت (لقد هرب كالجرذ) وهو ما تحقق صدقا وكأنك تراه رؤي العين , اليوم وبعد ان مضى من مضى عدنا نستذكرك نقف عندك نستلهم من شموخك ونردد من جديد (هيهات منا الذلة ) لنعيدها معك وبعدك ونقولها بملىء الافواه (هيهات منا الذلة) ، فرقابنا ممدودة وصدورنا عارية الا من الايمان لان قلوبنا جبلت على حب محمد وال محمد والعراق الذي لابد ان يكون عراقا لكل العراقيين وليس لبعضهم هذا ما قلت ولابد لنا ونحن نعيش هذه الايام بحضرتك ان نقول ايها الحكيم كنت حكيما ومضيت عظيما ولازالت كريما لانك علمتنا كيف نكون اوفياء لمبادئنا التي انتصرت لها بدمائك الزكية وخططت بها لنا طريقا نحو الحرية والانعتاق ,عش هكذا خالدا مخلدا فلن تتمكن خناجر الغدر وسيوف الجبن من انتزاع حبك من القلوب.. ايها الحكيم لازالت الحكيم في زمن كلما مضى حكيم تصدى وبرز حكيم يصحح المسار ويعلن الانتصار لمنهج الحق وكلنا وفاء لتلك البيعة التي بايعناك الا نتزلزل عن طريق الحق واهله وليت الكلمات تستطيع ان تعبر عن مكنونات الصدور ليروا وترى كم من المعاني التي تجتاحنا ونحن نقف هذا الموقف في حضرتك سيدي ... سيدي ابا صادق ان قضاء الله تعالى اختار ان تكون شهيدا سعيدا واختار ان تكون المكافأة بهذا الشكل الذي افجع قلوبنا فلبيت نداء الحق مظلوما ومضيت على بصيرة من امرك مقتديا باجدادك الطاهرين ولذلك قذف الله حبك في قلوب المؤمنين ولاننا احببناك وعشقناك فنقول ان خسارتنا عظيمة بفقدك لانك الحكيم في زمان يشح و فيه الحكماء سيدي فسلام عليك في يومك الملحمي المضرج بالدماء يوم اخترناه لان يكون وقفة وفاء لكل الشهداء .
https://telegram.me/buratha