إن الهدف الرئيسي الذي توخى كاتب المقال تصديره كفكره, هو التعريف بمفهوم الخدمة التي يجب أن تقدم من الدوله أو من قبل مسؤوليها للمواطن. حيث أن هذا المفهوم غالبا ما كان مبهما لدى المواطن أو المسؤول , وغالبا ما تداخلت في تكوينه مركبات وعي مجتمعي أو ديني أو مزاجات العقل الجمعي للمجتمع .
لقد تغير مفهوم الدولة من حيث أسس قيامها أو من حيث الواجبات المناطه بها بتعاقب الأزمنة والعصور, ومع التطور والتنامي المتصاعد لمستوى وعي العقل البشري, سواء على الصعيد الثقافي أم على الصعيد السياسي, وبالتالي تطور مفهومية الحقوق السياسيه للأفراد والجماعات في المجتمعات الحديثة والمعاصره, تطورت معها واجبات الدوله إتجاه مواطنيها. حيث قاد تعقد المجتمع البشري نتيجة لتضخم السكان وتوسع المدن وإنتشار معالم التصنيع والتحضر وشيوع الثقافة والتربية والتعليم بين فئات وعناصر المجتمع المختلفه وإرتفاع المستويات الإقتصاديه والإجتماعيه للأفراد والجماعات, الى تعقد واجبات ومسؤوليات الدوله. هنا اصبحت مسؤوليات الدوله والقائمين عليها لا تقتصر على الواجبات والوظائف التقليديه لأبناء المجتمع كوظيفة المحافظة على الأمن والنظام في الداخل, أو وظيفة الدفاع الخارجي. إذ أنها أنيطت بها واجبات وخدمات أخرى للمواطنين, ومنها التعهد بتخطيط المجتمع تخطيطا إقتصاديا وإجتماعيا وعمرانيا وتربويا لغرض تنميته وتطويره نحو الأحسن والأفضل..
النموذج الجديد لمسارات عمل الدوله الحديثة والذي تم تبنيه من قبل قائمة إئتلاف المواطن في العراق, بدأ يأخذ بالحسبان خدمة المواطن, المواطن بتمثله كأفراد أو كجماعات.. حيث أصبح المواطن الهدف السامي والمبدأ الأعلى في سيكيولوجيات الدول المعاصره ..
وكما أن المفاهيم السياسية للحقوق الطبيعية للأفراد قد تطورت بتطور نظريات الفكر السياسي, كذلك كان التطور نصيب مفهوم خدمة المواطن من قبل الدوله. حيث كان مفهوم الخدمة الإجتماعيه لمواطني البلد ومنذ أزمان طويلة لا تعني في نظر الناس إلا الصدقة والاحسان الذي يقدم إلى الفرد أو جماعة نتيجة مشاعر انسانية واحساسيس ذاتية بحاجة هؤلاء الناس الى المساعدة والمعونة فأقتصرت الرعاية الاجتماعية حتى عهد قريب على المساعدات المالية والغذائية والكسائية ولكن بعد أن تطورت المجتمعات بدأت خدمة المواطن تتجة الى التعرف على الاحتياجات الانسانية للافراد والجماعات والمجتمعات ودراستها ومقابلتها بالخطط والخدمات الفنية فأنتقلت جهود الخدمة الاجتماعية بذلك من مجرد خدمات علاقية ذاتية الى الاهتمام بالنواحي الوقائية والانشائية الاجتماعية ولم تعد المساعدات المالية والعينية إلا جانبا فرعيا منها.
أن الخدمات التي يجب أن تقدمها الدولة للمواطنين قد إبتعدت تدريجيا عن مفهوم الفوضويه في التخطيط والتنظيم, حيث تطورت بعد تحولها الى انشطة مهنية لمساعدة الافراد والجماعات والمجتمعات لزيادة إمكانياتهم وأدائهم لوظائفهم الاجتماعية وتحسين اوضاعهم الاجتماعية والمعاشية والعلمية. كلمة خدمة تعني مجهودات هادفة يقصد بها تحقيق فائدة او منفعه معينة او ايقاف ومنع ضرر واقع او محتمل الوقوع . بما يسهم في صيرورات متواصله ومتعاقبه لأبناء المجتمع وتنمية المجتمعات ومنع العوامل المختلفة التي تحول دون النمو والتقدم الاجتماعي مثل الحرمان او المرض او الظروف الاجتماعية السيئة , أو إنتشار الفساد المالي والإداري في ملفات إدارة الدوله, كذلك البحث عن اسباب العلل في المجتمع والقضاء عليها او التقليل من اثارها.
وإذا أردنا النظر وبموضوعيه لمفهوم خدمة المواطن خلال العملية السياسيه التي تمثلت بوضوح بعد التغيير في العراق,فإننا نستطيع تشخيص ثلاث أنواع لهذا المفهوم .. مع الإبتعاد المؤقت عن تقييم هذه الأنواع.
النوع الأول, وهو خدمة المواطن من خلال قيام رجل الدولة أو السياسي صاحب النفوذ سواء في المؤسسات التشريعية أم التنفيذيه , بقضاء حوائج الناس لعدد من الأفراد أو المجموعات , وقد تنحو نحو توزيع الصدقات والمساعدات وإستغلال ملف التعيينات , من أجل الحصول على مكاسب شخصيه فرديه. ومع ان هذا النوع من الخدمة تشوبه سلبية التقييمات , إلا أنه يبقى في إطار الوعي الشعبي كنوع من أنواع خدمة المواطن , وله ومع الأسف مقبولية كبيره في العقل الجمعي العراقي كمفهوم للخدمة .
النوع الثاني, هو تبني إقامة بعض المشاريع الخدمية والعمرانية , كتبليط الشوارع, وبناء الجسور , وإقامة بعض المشاريع الخدمية من خلال إنشاء مشاريع في محاولة لتكوين مصداق حقيقي لمفهوم خدمة المواطن. ومع أن ما يقدم في هذا النوع من الخدمات للمواطن تدرج بوجهها التقيمي الإيجابي كخدمة حقيقية للمواطن, إلا أنها تتميز بسلبيه صارخة, وهي فوضويه هذه المشاريع والرؤى والخدمات, حيث تسير عملية التطوير والبناء من خلال وجهات نظر القائمين على السلطة التشريعية والتنفيذيه بأشكال تفتقد للأبعاد الإستراتيجيه المصادق عليها في علوم بناء الدولة المعاصره.
النوع الثالث, وهو في رأي الكاتب المفهوم الحقيقي لخدمة المواطن, يستند هذا النوع أو الأسلوب على مفهوم بناء الدوله العصريه العادلة, الدوله العصرية التي يكون عمادها مؤسسات تخصصية قويه ثابتة, لا تتغير بتغير شخوص الحكم, مؤسسات مهنية تعتمد على أفراد متخصصين تخصص عال جدا في إدارة ملفات الحياة الإجتماعيه والإقتصاديه والسياسيه والخدمية بكل مفاصلها, في سعي منها لتثبيت وترسيخ أسس دوله مؤسساتيه قويه.
هذا النوع الأخير هو الذي عمد إئتلاف المواطن تبنيه كبرنامج لمفهوم بناء الدولة العصريه العادلة, وطرح لعموم الناخبين كبرنامج علمي تخصصي , تم العمل عليه وعلى مدى 4 سنوات من قبل متخصصين بمجالات مختلف. حيث نجح هذا البرنامج في طرح تشخيصات دقيقة ومدروسه للمشاكل الخدمية والإدارية والإجتماعية التي يعاني منها المجتمع العراقي . ووضع خطط مدروسه بدقة وحرفية عاليه تمثل حلولا واقعيه نابعة من عمل مؤسسي جمعي , تعمل على مقاربة أطراف المشكله مع أطراف حلولها ليحص التطابق الحَـلّي في بناء الدوله العصريه.وهذا ما تفتقد له كل البرامج السياسيه الخدميه للتنظيمات والإئتلافات السياسيه المشاركة بالعملية السياسيه في العراق .... والله أعلم ..
محمد أبو النواعير
باحث مهتم بالآديولوجيات السياسيه المعاصره .
العراق – النجف الأشرف .
https://telegram.me/buratha