ما الذي جعل تركيا تبرز على اكثر من صعيد في الوقت الذي لايزال باب انضمامها الى الاتحاد الاوروبي موصدا في وجهها وبالمقابل مفسوح المجال امام تبني دور الجسر في نقل القيم الغربية والترويج للتغريب ثقافيا وسياسيا في بلاد المسلمين وخصوصا في شقها العربي.
تركيا الاردوغانية تمثل اليوم النموذج الذي كانت اميركا تبحث عنه في علمانية بغطاء ديني، واليوم يتم الترويج له خصوصا في العالم العربي وبالاخص في الدول التي شهدت ربيعا عربيا ، وبرز فيها الاسلام السياسي كمنتصر ، والتي يراد دفعها باتجاه تبني النموذج التركي كافضل انموذج متوفر حاليا لتسويق المشاريع الغربية والاميركية وعلى مختلف الاصعدة.
ان الدور الذي تلعبه تركيا الاردوغانية في تكريس العلمنة وبغطاء اسلامي يمثل مستوى جيدا مما تطمح وتتطلع اليه اميركا والغرب عموما في مواجهة النموذج الاسلامي الايراني والحؤول دون انجذاب التيارات الاسلامية التي تولت مقاليد السلطة في بلدانها لهذا الانموذج الذي يحارب الاتجاه الغربي بمختلف مشاريعه الثقافية والسياسية.
كما تسعى اميركا الى تضييق الخناق على الاتجاهات السلفية والمتطرفة عبر استغلال سذاجتها وجهلها للانتقام بواسطتها والانتقام منهم في عملية ميكيافلية برعت اميركا في استثمارها وباشكال مختلفة، محققة اهدافا عديدة من خلالهم ، فمن جهة تستغل هذه الاتجاهات الجاهلة بالسياسة لدفعها الى ممارسات تسيئ للدين الاسلامي في ابرز ثوابته وقيمه ومفاهيمه، بل وتخلف صورة ممقوتة للقيم الدينية السمحاء حتى لدى المسلمين ناهيك عن غيرهم.
هناك عبارة وردت في مقدمة كتبها (هنري كيسنجر) وزير الخارجية الاميركي الاسبق لدراسة اوائل الثمانينات من القرن المنصرم تحت عنوان (الترابط الخطير بين الطاقة والامن القومي الاميركي) جاء فيها بالنص: ان التغيير الداخلي لامفر منه ولايمكن قمعه، وان علينا ان نقف الى جانب قوى التغيير، ولكن يجب ان لا يغرب عن البال ان لدينا مصلحة حيوية في طبيعة هذا التغيير، وفي نجاح اولئك الذين يؤيدون التغيير السلبي واستمرار الروابط مع الديمقراطيات الصناعية) - مجلة النهار العربي والدولي البيروتية بتاريخ 28 – 2 -1982 .
ان الابداعة التي حققها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ليتخلص من سيطرة الجيش على مقاليد السلطة في تركيا ، ولوضع حد لمحاربة الاتجاه الاسلامي في تركيا كلما انبرى لتولي مقاليد السلطة في هذا البلد، انه اخذ يعطي مفهوما مغايرا وغير مألوف للاتجاه الاسلامي الا وهو الارتباط بالغرب والعمل معه بالاتجاه الذي يرتأيه الامر الذي فسح المجال امام الحكومة التركية ذات الخلفية العثمانية لتطرح نفسها كبديل وحل لمختلف المهام والمشكلات في الشرق الاوسط ، وبمختلف الاشكال والاساليب المبتدعة اردوغانيا ليؤمن مصالح تركيا لعقدين من الزمن على الاقل.
ولكن ككلمة اخيرة نقول ان تركيا مهما برزت في ظل الضوء الاخضر الاميركي فهي محكومة بالزوال والاضمحلال طالما بنت سياساتها وفق ما يشتهيه الغرب وتكريسا لمصالحه، وليس وفق ما يخطط هو لنفسه من دور بعيدا عن السطوة الاميركية المعروفة بالتنكر لاقرب حلفاءها في الاوقات الحرجة والعصيبة.
19/5/13514
https://telegram.me/buratha