رياض ابو رغيف
ان الغرض من تشكيل الاحزاب والحركات السياسية كما هو معروف هو اقامة تجمع تنظيمي ينظم الافراد المؤمنين بفكرة ما والمتسالمين على عقيدة معينة... وانشاء هذه الاحزاب والحركات السياسية له اهداف معينة يسعى المنتمون الى نشرها بين الجماهير والوصول الى ترجمة تلك الافكار والرؤى والعقائد الى واقع يومي .وبالضرورة فان المنتمين الى تلك التجمعات السياسية هم ادواة لتنفيذ مشاريعها ونشر معتقداتها وطريقة عمل هذه الادواة تختلف باختلاف طبيعة ما يحملونه من منهج اختطه لهم فكر الحركة او الحزب المنتمين اليه فبعضها يعتمد في عمله خطة ينفذها الاعضاء سلميا وعبر السبل الديمقراطية والبعض الاخر ينتهج اسلوب العمل (الثوري والانقلابي ) واخرون تتغير وتتلون منهجية عملهم وفقا للظروف السياسية والامنية المحيطة بهم . وحزب البعث كما هو واضح من تاريخه الطويل والانعطافات الكثيرة التي مرت به منذ تشكيله ولغاية انهيار اركان دولته في العراق اتبع الاسلوب والمنهج الثالث المعبر عنه بالمبدأ الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة ) .لم يخف حزب البعث في ادبياته وكتبه العقائدية سعيه للحصول على السلطة وبشتى الوسائل ولم يطرح مؤسسوه المتاثرين اصلا بالافكار القومية الاوروبية وبالذات الفكر القومي الايطالي المبتني على فكرة الامبراطورية القومية و الانفراد بالقوة والسلطة بدلا من المنهج الديموقراطي في سبيل ارتقائهم كراسي الحكم والحكومة واستحوذت نظرية (الحزب القائد ) على كتابات ومقالات هيئته التاسيسة .كل هذا جعل السلطة الحاكمة حينها تخشى افكار البعثيين وتصنفه في خانة المناوئين والمعادين لها وصارت تحاول بكل الطرق انهاء ذلك التنظيم والسعي الى اجتثاثه وطالت تنظيمات حزب البعث في سوريا (بلد التاسيس ) ولبنان والعراق ومصر الكثير من القرارات الحكومية بانهاء وجوده على الساحة السياسية واعتقال اعضاؤه بسبب افكاره وعقائده التي تعمل في الضد من توجهات الحكومات الناشئة هناك وصدرت عدة قرارات قضائية بحله وتفكيك تنظيمه وسجن هيئاته القيادية ولان البعثيين كانوا ولازالوا يعتنقون مذهب الغاية تبرر الوسيلة ولان اسس عملهم تستند الى امكانية الانحناء امام العواصف التي تواجه سيرهم الحثيث نحو مطالبهم فقد كانت امكانية التظاهر بالتخلي عن ايمانهم واردة في الكثير من معالجات المشاكل والازمات التي كانت تواجههم وتاريخهم الحافل بهذه المعالجات اكبر من ان يغطى بغربال ,ففي بواكير عمر هذا الحزب تعرضت قياداته واعضاؤه في سوريا الى ضربة قوية من السلطات الامنية وتم اعتقال الاب الروحي للحزب( ميشيل عفلق) وعدد من قيادات الحزب حكم عليهم بالسجن لفترات طويلة وتشير الوثائق التاريخية ان عفلق ولكي يتخلص من المازق الذي وقع فيه كتب اقرارا بالبراءة مما يعتنق من فكر حزب ولد من رحم افكاره ورؤاه ....ثم ما لبث بعد ان تخلص من المؤثرات الطارئة وتغير الظروف باتجاهها الايجابي ان عاود تنظيم ذلك الحزب من جديد وبشكل اوسع واكبر ونتيجة لتاثيرات المد القومي الناصري عقب ثورة يوليو 1952 بين الشعوب العربية ولتوقع قيادة البعث انذاك من ان الانكفاء عن هذه الموجة الشعبية العارمة سيودي بالحزب الى واقع النبذ الجماهيري ولان عبد الناصر ادراكا منه ان هذا الحزب هو بالحقيقة عائق امام حلم الوحدة الذي كان الجميع يحلم به ويسعى لتحقيقه اشترط الرجل لاقامة الوحدة السورية المصرية عام 1958 ان تحل تنظيمات البعث في كلا الدولتين .حاول البعثيون ثني عبد الناصر عن هذا القرار لكن اصرار الاخير على شرطه هذا اضطرهم الى الانحناء امام هذه الموجة وتلك الرغبة فاصدرت قيادة الحزب قرارها بحل تنظيمات البعث في سوريا ومصر لكنه في الحقيقة كان قرارا صوريا حيث في الواقع كانت تنظيماتهم تعمل في الخفاء وكان لهم الدور الاكبر في تعزيز المؤمرات الساعية لانهيار اتحاد الجمهورية العربية المتحدة ووصل الامربعد اقل من ثلاث سنوات ان يوقع عفلق والبيطار واعضاء اخرون من قيادة البعث قرار انفصال سوريا عن الوحدة مع مصر .وفي العراق تعرض حزب البعث الى ذات المواقف مع الزعيم قاسم ثم بعد ذلك مع حكم عارف وكان التنظيم البعثي ينتهج في كل مرة ذات الاسلوب ويستخدم نفس الطريقة فحين كان البعث ممثلا في حكومة عبد الكريم قاسم بحقيبتين وزاريتين وفي زمن عارف باكثر من نصف اعضاء الحكومة ورئاسة الوزراء التي كان يشغلها احمد حسن البكر ورغم ان ظاهر عمل الحزب كان مغطى بالحركة الفكرية والثقافية الا ان مؤمراته ومحاولاته المتكررة بالسطو على الحكم بطرق دموية ادى الى صدور قرار يحظر هذا التنظيم ويطاردة اعضائه قانونيا الامر الذي اوصل تنظيماته الى الانشقاق الى عدة جماعات ومجموعات ذات طبيعة عمل سرية وصولا الى استحواذه على السلطة في العراق عام 1968 ان الاستقراء التاريخي لطبيعة عمل حزب البعث واساليب اعادة توليف نفسه من جديد تؤشر الى حقيقتين مهمتين اولهما ان عمل هذا التنظيم هو عمل يشبه بطبيعته عمل اجهزة المخابرات التي تستولد تكوينها الذاتي من خلال قيادات بديلة مهيئة للعمل الميداني في حالة فقدانها لقيادتها الاصلية والامر الثاني ان مبدأية البعث المبتنية على نظام الحزب الذي يجب ان يسيطر على السلطة باي وسيلة مشروعة كانت ام غير مشروعة تجد من المغامرين ومن الحالمين الموتورين بمزايا الحكم والتسلط على الشعوب بذرة للنمو من جديد ومد الاذرع باتجاه اعادة تنظيم الطامحين بتلك النوازع .وعلى مدى اكثر من اربعين عاما من حكم البعثيين للعراق ونتيجة لانكشاف وجوهه المتلونة وجها بعد الاخر واكتواء الشعب العراقي بظلم قياداته وسياساته المتهورة داخليا وخارجيا انطفأ الى الابد وهج افكاره التي خدعت العديد من الغافلين عن حقيقة هذا الحزب واصبحت تنظيماته عبارة عن مؤسسات امنية اكتوى بها القريب والبعيد في العراق وانفضت عنه الجماهير المخدوعة بادليوجياته التي كذبها التطبيق الواقعي والعمل الميداني واصبح الانظمام الي صفوفه وسيلة للاحتماء من ملاحقات مليشياته واجهزته القمعية ولم تبق من عناصره الفاعلة الا بعض المنتفعين والفاسدين والوصوليين والطامحين بالمناصب والسلطة وكان حلم التخلص من سطوة هذا التنظيم الدموي تراود الاغلب الاعم من المنتمين الى تنظيماته جبرا وقهرا وصار دفع الاشتراك الحزبي هو الرابط الوحيد بين الحزب واعضاؤه وحين انهار نظام البعث في العراق عام 2003 تبخرت قياداته واعضاؤه البارزون خوفا من انتقام الشعب المضطهد وفصائل المجاهدين التي كانت تبحث عن جلادي العراق وظننا ان هذا التنظيم انتهى الى الابد الا ان الواقع الذي فاجئ كل العراقيين عودة القتلة الى خنادق المكر والخديعة واستهداف ابناء الشعب العراقي المسكين بعد ان وجدوا الحواضن المهيئة اصلا لهم وكما هو ديدنهم في التلون والتتنكر تحالفوا مع كل عدو محتمل للعراق سعيا وراء احلامهم الخائبة في العودة الى السلطة والتسلط ورغم ان قانون الاجتثاث كان المراد منه منع هولاء للعودة الى ما يطمحون الا ان تهاون السياسيين الكبار وتنازلاتهم المتواصلة ومحاولات البعض الى تقسيم البعث الى صدامي وغير صدامي !!!ادت الى افراغ ذلك القانون من محتواه الامر الذي جعل انصار ذلك النظام يتسلقون المناصب العليا في الدولة والحكومة والمؤسسات الامنية ليستقووا بتلك المواقع في مساوماتهم من اجل ارجاع البعث والبعثيين الى مبتغاهم .هذا كله يستدعي منا الانتباه الى امر مهم ان البعث كحزب وكفكر وكايدلوجيا وعقيدة لايمكن له من النهوض الا من خلال ادواته هذه الادوات هي اليوم عبارة عن المجرمين والقتلة والسفاحين والعصابات من عناصر الاجهزة القمعية ومخابرات صدام وحرسه الجمهوري الخاص والذين في اغلبهم اليوم هم في مواقع حكومية وعسكرية وامنية وان موضوعية اقرار قانون حظر حزب البعث في العراق لا طائل منه الا بحظر هذه الادواة من العودة للتسلط والسلطة فحزب البعث في واقعه اليوم ليس تنظيما فكريا ليتم حظر افكاره من التداول والتناقل الاعلامي والثقافي والفكري بل هو عبارة عن تنظيمات مخابراتية وعصابات قتل منظمة ولا سبيل للقضاء على البعث او حظر البعث الا بحظر ادواته الفاعلة وهم البعثيون القتلة انفسهم .
رياض ابو رغيف
https://telegram.me/buratha