قصتي مع نيوكنكرج!.
باقر جبر الزبيدي
خلال وجودي على راس وزارة المالية اعتدت الحضور اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وعلى هامشها في العاصمة الامريكية واشنطن كنت التقي بعض المسؤولين في المؤسسات الامريكية وتدور في الاثناء حوارات ونقاش سياسي واقتصادي ومالي وامني مفيد في الغالب استمع فيها لوجهة النظر الامريكية ازاء مجمل تطورات المشهد الداخلي والفت النظر الى حقيقة الاوضاع العراقية.
في نهايات عام 2008 زرت العاصمة الامريكية واشنطن لنفس الغرض لكن تلك الزيارة اكتسبت اهمية بالغة بالنظر الى مااكتنفها من لقائي بواحد من اهم الشخصيات السياسية الامريكية وهو السيد نيوكنكرج المتحدث باسم الكونكرس الامريكي الذي يعادل في كل الدول رئيس مجلس النواب وهو شخصية سياسية امريكية مهمة وقيادي في الحزب الجمهوري الامريكي ترك الوظيفة بعد شبهة علاقة عاطفية مع سكرتيرته الخاصة عاد بعدها الى مقعده في الحزب الجمهوري!.
نيوكنكرج كان احد الشخصيات المرشحة للانتخابات الرئاسية الاخيرة مقابل الرئيس اوباما!.
ان تلك الزيارة كانت بالنسبة لي على المستوى الوطني انجازا تاريخيا تمثل في التوقيع على اطفاء ديون دولية على العراق منها بلغاريا وصربيا حيث تجاوز الدين ال5 ملياردولار وهكذا كنت افعل في كل جولاتي واجتماعاتي الدولية.
وزارة الدفاع الامريكية اتصلت حين كنت في واشنطن عام 2008 وطلبت تحديد موعد للقاء نائب وزير الدفاع كوردن انكلند والغاية من اللقاء تبادل وجهتي النظر الرسميتين العراقية الامريكية بشان مايتعلق بالامن والحسابات الختامية لمايسمى بمبيعات التسلح العسكرية.
وبالفعل فقد توجهت الى وزارة الدفاع الامريكية والتقيت نائب الوزير وحضر اللقاء مستشارنا الشخصي والناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية واستمر اللقاء زهاء الساعة وبعد التقاط الصور التذكارية بيني وبين نائب الوزير وفيما نحن نهم بالخروج من الوزارة رن هاتف السيد كوردن انكلند فتوقفنا الى حين استكمال مكالمته الهاتفية التي وصلته عبر احد الهواتف الخاصة بالوزارة حيث ظهر ان المكالمة من البيت الابيض!.
التفت الي انكلند وقال لي بابتسامة دبلوماسية .. ان السيد نيوكنكرج يريد لقائك وهو في الطريق الينا..هنا ابديت موافقتي على اللقاء برئيس مجلس النواب الامريكي السابق والصديق الحميم للرئيس جورج بوش والعقل المفكر للحزب الجمهوري الامريكي!.
بدات افكر قبل وصول هذه الشخصية الامريكية المهمة في البيت الابيض والكونكرس وتبادر الى ذهني ماقاله لي احد الجنرالات الاميركان عام 2006 حين كنت وزيرا للداخلية من ان الولايات المتحدة الامريكية تفكر جديا بضربة عسكرية موجعة ومؤلمة الى نظام بشار الاسد انطلاقا من قاعدة الاسد في المنطقة الغربية من العراق!.
بدا الاجتماع وبادرني نيوكنكرج انني عشت في سوريا معارضا لنظام صدام مايقرب من 20 عاما وتعرف كل تفاصيل الخارطة السياسية والحزبية والامنية والاجتماعية السورية ..كيف يمكن التعامل مع هذا النظام الذي اوغل في قتل العراقيين والاميركان من خلال ارسال السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة وتقديم الدعم والتدريب والتسليح واستقبال المقاتلين العرب؟!.
خالجني احساس ان القيادة الامريكية تفكر بضربة عسكرية لدمشق توقفها عن الاستمرار بنهج دعم المجموعات المسلحة التي تقتل الاميركان وتزعج السياسة الامريكية اضافة الى قتل العراقيين بالجملة!.
بادرت الرجل بالحديث عن قصة رويتها له تلخص كل مايفكر به ازاء سوريا في حينه وقلت ..دخلت دمشق نهاية ايلول عام 1982 وانطلقت من الدار التي استاجرتها وسط العاصمة السورية باتجاه مسجد الصحابي ابو ايوب الانصاري لتادية صلاة الجمعة وكان الحضور ايمذاك لايتجاوز ال50 مصليا!.
بعد سقوط النظام العراقي عام 2003 تم تعييني وزيرا للاعمار والاسكان في حكومة مجلس الحكم وقبل ان اودع دمشق الحبيبة على قلب كل عراقي صليت صلاة الجمعة الاخيرة في ذات المسجد وكان ذلك في بداية ايلول 2003 لكنني ياسيد كنكرج شاهدت شيئا مختلفا هذه المرة عن مشاهداتي طيلة عشرين سنة ماضية!.
التفت الي الرجل الامريكي وقال لي ..ماذا حصل ..هل هنالك تغير ما في بنية الوضع العام؟!.
بادرته ..نعم فقد امتلات باحة المسجد ومحيطه والشوارع المؤدية اليه بالالاف من المصلين مااضطرني للعودة الى بيتي لاخذ سجادة الصلاة واصلي عن بعد لعدم استطاعتي دخول مسجد الانصاري بل حتى محيطه لكثرة المصلين!.
قلت للرجل ايضا..انني واثناء استماعي لخطبة الجمعة التي كان يؤمها جار لي سبق وعمل ندابا وضاربا للدف في المواليد والاعراس واصبح اماما للمسجد بدات اتفحص وجوه المصلين فوجدتهم على هيئات مختلفة فمنهم صاحب اللحية الكثة والدشداشة القصيرة ومنهم حليق اللحية وبدات افكر الى ماهو ابعد من هذا المشهد عميقا في التحول الذي جرى سريعا وخلال السنوات ال20 الماضية في بنية المجتمع السوري حيث ضربت السلفية اطنابها وتغلغل الفكر الوهابي وتسربت الافكار التكفيرية واتذكر ان الكتب والاقراص المدمجة تصل حتى الى دارنا مايعني ان المجتمع السوري كان مهيئا الى درجة كبيرة لقبول فكرة التحرك لاسقاط النظام والاندماج بمشروع الربيع التكفيري!.
رد كونكرج علي قائلا .. ان هذه القصة لخصت الاجابة التي كنت ابحث عنها في خضم سؤال سياسي اميركي كبير يتعلق بسوريا!.
عدت الى كونكرج قائلا..ان خيار الضربة العسكرية سينتج نظاما تكفيريا لايختلف عن طالبان مايؤثر على الجهود التي تبذل من اجل ترسيخ تجربة الديمقراطية العراقية الراهنة!.
وتابعت ..انصح بدعم الحكومة العراقية والقبول بفكرة اصلاح خط الانابيب العراقي السوري كركوك بانياس واعطاء سوريا سعرا تفضيليا ومد جسور التبادل التجاري بين البلدين والذي سيكون مردوده لصالح دمشق التي تبحث دائما وتغلب العامل الاقتصادي ومصالحها المالية في علاقاتها مع الاخرين وحين تعتاد دمشق على هذه المنافع يمكننا عندها التهديد والتلويح بايقاف ضخ النفط والتبادل التجاري!.
كنكرج كان وضع امامه في بداية اللقاء قصاصة من الورق اخرجها من جيبه وكنت الاحظ ماذا يكتب..لقد كتب خمس جمل قصيرة لخص فيها مجمل الافكار السورية التي طرحتها عليه من خلال قصة المسجد واذكر انني انهيت حديثي بجملة ان البديل السوري القادم سيكون مزعجا للمصالح الامريكية في المنطقة ولاصدقائكم في اسرائيل!.
انتهى اللقاء وشعرت ان كنكرج اقتنع بحديثي وتحليلي والنتائج التي توقعتها.. وبعد فترة من تاريخ هذا اللقاء وجهت دعوة من السفارة الامريكية لعدد من الوزراء في الحكومة العراقية لحضور حفل استقبال السيد ديك جيني نائب الرئيس الامريكي واثناء فترة انتظار اللقاء مع نائب الرئيس دخل علينا الجنرال بترايوس واكد للوزراء العراقيين ضرورة اصلاح انبوب النفط بين العراق وسوريا وضخ النفط باسعار تفضيلية لدمشق!.
وحين اكمل الجنرال الامريكي تيقنت ان رؤيتي التي قدمتها الى البيت الابيض عبر كنكرج قد اتت ثمارها!.
1/5/13516
https://telegram.me/buratha