المهندس علي العبودي
في سنة 1985 كنت من اشد المتابعين إلى المسلسل المصري "الزنكلوني" , الذي أخذ المساحة الواسعة لجذب المشاهدين من خلال الشاشة الصغيرة ذات الصورة الملونة لأصحاب الدخل المتميز ! , وباللون الأبيض والأسود لأصحاب الدخل المحدود, فتعددت الصور والزنكلوني واحد , حيث أجاد فيه الفنان القدير الراحل محمد رضا .. الذي نلتمس منه عذرا" .. لأننا همشنا مقولة تذكروا محاسن أمواتكم , ففي نهاية كل حلقه تنكشف أوراق الزنكلوني وهو متلبس بكذبة أمام الملأ ليبرر.. ويبرر حتى الرمق الأخير , لا يريد إن يعي دروس الماضي , رغم الأفراط في النصح المقدم له من الفنانة أثار الحكيم في نهاية كل حلقة لتعظه بألم وحسره وهي تقول " نفسي أسدئك يازنكلوني " مما يؤثر ذلك سلبا" على الأسرة التي يقودها زنكلوني .. وأنطلاقها نحو الأمام ليكون هذا القائد الحلقة الأضعف في الاسرة التي تربطها علاقات متينه مع الأهل والأقرباء والأصدقاء والجيران .
الكذب صفة مذمومة شرعا" وعرفا" في الجَدِ والهَزلِ , ففي الفقه يوصف لمتبني هذه الصفة بأن عمله أقبح من الزنا , وفي العُرفِ ليس من شيمِ الرجال , اما في السياسة المجردة من الثوابت الأخلاقية والوطنية والشرعية .. فهي تبيح لرجال السلطة وليس لرجال الدولة المحظورات للتمسك بعروة الكرسي الوثقى , فمن أجله قد يصل البلد الى المجهول , ومن أجله تعلو الوعود الكاذبة , والضحك على الذقون , الذي سرعان ما يتحول الى سراب ليناغم مشاعر البسطاء من أبناء الشعب العراقي وما أكثرهم ! .. لغرض الحصول على مكاسب سياسيه والتلاعب في مصير الوطن والمواطن , تبا" لمجد يبنى على أكتاف من كانوا سببا" في التصدي لهذا الموقع او ذاك , أن الفساد الإداري والمالي المستشري في مؤسسات الدولة , سببهما ومرتكزهما هو الفساد السياسي الذي وصل عطره النتن إلى ابعد بقاع العالم ليتصدى العراق المراكز المتقدمة في التصنيف العالمي للدول الأكثر فسادا" على الرغم من الصبغة الدينية !! للمتصديين للمشهد السياسي في العراق , طالما تتبنى الكتل السياسية مفهوم ومصداق, ظملي وأظملك , وما لهذه الثقافة من ضرائب تستنزف خيرات البلاد والعباد , فلا نستغرب من هدر الأموال الطائلة في وزاره الكهرباء مثالا" مؤلما" يدنى له جبين الإنسانية والمهنية , كم من الأموال رصدت لهذه الوزارة منذ سقوط النظام إلى اليوم , عدا الأموال الطائلة التي تستنزف من المواطن في شراء المولدات المنزلية ووقودها .. أضافة لخطوط المولدات الأهلية والحكومية ناهيك عن الوقود المجاني الحكومي الذي يقدم لأصحاب المولدات الأهلية في موسم الصيف اللاهب ! فهناك أرقام مالية خصصت لوزارة الكهرباء تتحدث بها الحكومة دون حياء ..لتصل الى 38 مليار أي ما يعادل الميزانية السنوية لخمسة دول إقليمية.. كالأردن واليمن وسوريا ........ لتظهر لنا اشارات من قبل القائمين على ملف الطاقة , أننا وصلنا الى الأكتفاء الذاتي من خلال نصب المحطات التي تعمل بالوقود الثمين ! , وتارة أخرى سنصدر الطاقة الى دول الجوار, فمنذ التغيرات السياسية التي طرأت على العراق ونحن مازلنا نتراوح ما بين 8ــ12 ساعة تجهيز , فالضحك على الذقون مسلسل دائم العرض .. في عراق اليوم , فهل من تفسير للقانون الذي تفوح منه أعلى درجات السخرية لأبناء هذا البلد .. ( يتناسب مرور التيار الكهربائي بالأسلاك الناقلة طرديا" من اقترب موعد الأنتخابات المحلية والبرلمانية على الرغم من نقصان الطاقة في محطات التجهيز ! وزيادة التخصيص المالي , ويتناسب عكسيا" من ابتعاد موعد الانتخابات المحلية والبرلمانية على الرغم من زيادة الطاقة والتخصيص المالي) , فهل تشابه البقر علينا , فالكذب أصبح من المشتركات للنظام الديمقراطي والدكتاتوري ! فالقائد الضرورة في عراق ما قبل 2003 ينصح مجلس الوزراء وأن كانت كلمة حق يراد بها باطل ليقول " أن شعبكم لا يستحق منكم إن تعطوا إليه الوعود وانتم عاجزين من تحقيقها " .
لا أمَر لمن لا يُطاع , فهناك أصوات مخلصة بحَ صوتها منذ سقوط النظام وهي تنادي بالحلول الجذرية لقطاع الكهرباء , للنهوض بواقع المواطن المؤلم .. لما لهذا القطاع المتداخل في جميع المفاصل الصحية والاقتصادية والزراعية والعلمية .. لكن دون جدوى , فالأستثمار في قطاع الكهرباء هو الحل الجذري الذي يحجم العقول الراكدة الداعمة للمركزية , لضمان بسط نفوذها وملئ جيوبها والتي لا نعرف متى تمتلئ , فالنجاحات الرائعة التي حققها أقليم كردستان لم تحصل لولا الأستثمارفي قطاعات مختلفة كالإسكان والكهرباء .. ونحن نراوح في نفس المكان , فمنذ 2008 والكذب وصل الى حد النخاع , فكل عام ينجلي , تتجدد الوعود الكاذبة للعام الذي يليه , فما الأعوام الا حلقات من مسلسل الزنكلوني , وما زنكلوني الا هو مسؤول في ملف الطاقة , من يأخذ دور الفنانة أثار الحكيم في قبة البرلمان او مجلس الوزراء لتعلن على الملأ للقائمين على ملف الطاقة بالقول .. نفسي أسدئك يازنكلوني , وبكلمة أخيره أقولها لزنكلوني مصر أنك الفقير اذ ماقورنت بزنكلوني العراق والله من وراء القصد .
https://telegram.me/buratha