يمثل مفهوم الوطن واحدا من بين أكثر المفاهيم إبهاما، ومع أن عليا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه حسم بكلمات قليلة تحمل معان واسعة، مفهوم الوطن حينما عرفه بأنه" الأرض التي تحملك"، إلا أن هذا المفهوم لم يتم التعامل معه بمفاهيمية مخلصة، لأسباب بحثها التاريخ فأمسينا بسببها شعوبا وقبائل لا تتعارف..!..
فمفهوم الأرض التي تحملك وبأبسط معانيه، يعني أن تكون مرتبطا بهذه الأرض مادامت حملتك، إنطلاقا من مفهوم الحمل الأمومي الرائع، ذلك الحمل الذي لا يشابهه حمل بالنتائج وبالقدسية..ومن تلك القدسية أفهم وربما يفهم غيري كثير أيضا، أن الوطن بيت متعدد الأرجاء رائق الأنحاء ينساب في مخضلة ونقاء، على حد قول كاتب "رافضي" من عصر بني العباس غاب عني أسمه...!...وهو لسعته تلك ليس خيمة يمكن أن تطوى ونرحل بها كما يفعل (العربان)، الوطن أرض وسماء وناس، والوطن بلا ناس يمسي وطنا للفقمات كما القطب المنجمد الشمالي، وهو ملكنا جميعا ونحن أبناؤه الذين حملنا، وفقا لإشتراطات نظرية الحمل العلوية، كما أن وثائق البنوة اي شهادات الميلاد،حالها حال أوراق التملك (الطابو)، لا تشير الى أنه مختص أو ملك لفرد أو عشيرة أولفئة أو طائفة، والذي يريد أن يقول لك أن هذا ليس وطنك، آو يرميك بالإرتباط بالأجنبي كي يشعرك بالغربة، فانه صاحب لمنطق مأفون تافه مثله، وحقير مثل أصله، وبالنتيجة هو مستحوذ ومترافع سيء يقدم مرافعاته الكاذبة تلك في محفل مزور، وهو عدو حقيقي لك وللوطن ـ الرحم الذي أنجبكما مع..
وعندما نتحدث عن ضرورة أن يكون الوطن واحدا موحدا، نتحدث عن مواطنة حقيقية، وليست روحا وطنية شكلية، والفرق كبير بالمعنى بين المواطنة والوطنية، فالمواطنة إستحقاق غير قابل للنقض، فيما الوطنية تعبير عن المواطنة له مسالك عدة وإجتهادات متنوعة، وحين نتحدث عن الشراكة الوطنية فأننا نتحدث عن رؤية لتاريخ وفهم لجغرافيا، لا عن عش هكذا في علو أيها العلم فإننا بك بعد الله نعتصم، في إمتياز عجيب لخرقة وضعها أنبياء القومية والخطاب العنتري بعد الله تعالى مباشرة، وفي ظل غياب الرؤية والفهم إياهما، تضحي مفردات الوطن والمواطنة في مهب الريح ، فسيصبح الوطن قابل للتجزؤ إلى كيانات مفتتة، وستمسي المواطنة منازل ودرجات، وستصير الوطنية لعبة مصالح.
وهنا سؤال لماذا حين الحديث عن الشراكة الوطنية تتمعر وجوه البعض؟.. بل إنك تكاد تلمح في المتظاهرين بحب الوطن ذلك، وكأنه يجب أن ننصاغ وفق مشيئة أنبياء الخطاب المقعر، بالمصطلحات التائهة عن الأمة والقومية، ونخضع لمفهوم الإنشداد الى الماضي بالنسبة لها.
أستطيع أن أؤكد أيضا أن ثمة من يتشبث بمنطق الماضي، ويرميك بتعال فج بتهمة الإرتباط بالأجنبي يتناسى عن عمد أنه مرتبط بأجنبي لا يعتقده أجنبي! وحين يتحدث عن ضرورة تحقيق الشراكة الوطنية أو استعادتها يستكثر عليك حجمك ووجودك ووزنك، وما زال يستعمل منطق الأسياد، وحين وجدك في مواقع الإستحقاق يتصرف على أنه معارض، ليس معارضا لمنهجك في العمل والإدارة والتشريع، فهذه مفردات لا تعنيه، ولكنه معارض لوجودك..!
كلام قبل السلام: لا يسكن المرء بلادا، بل يتماهى مع شعب ذلك هو الوطن ولا شيء غيره...!
سلام...
https://telegram.me/buratha