لم يكن العسر الذي نحن فيه قد حصل فجأة، حتى نأمل أن نتخلص منه فجأة أيضا وبيسر، فعسرنا عملية بنائية أستمرت منذ أمد ربما لا تستشرفه عيون أكثرنا..عسرنا عمره بعمر وجودنا، وعمر جودنا الحقبي يقاس بأكثر من ألف من السنين، هذا على المدى التأريخي الذي تعايشنا معه، لكن من المؤكد أن عمر عسرنا الراهن يمتد الى بدايات تشكل الدولة العراقية في أوائل القرن الماضي..
عسرنا يمكن تفكيكه الى محطات، في محطتنا الراهنة وهي الأكثر إعسارا، أمضينا وقتا عمره قرابة عشر سنوات، حتى طارت السكرة منا وجاءت الفكرة..فبعد عشر سنوات من خلاصنا من نظام صدام أكتشفنا أننا لم نتخلص من صدام ونظامه، وأننا دخلنا نفق الضباع الذي ليس له سوى مخرج واحد، لا يقودنا إلا إلى حلق الضبع الذي كمن لنا داخل النفق، فقد هالت ضباع أخرى التراب على المدخل خلفنا...!
وهكذا وجدنا أنفسنا في ورطة كبيرة تقتضي بحثا عن حلول بحجمها، حلول تؤدي الى نتيجة واحدة لا غير، لكنها نتيجة مركبة من ثلاثة عناصر، الأول أن لا نقع فريسة سهلة للضبع الذي داخل النفق، والثاني أن نؤمن طريقا لخروجنا بعد أن هيل التراب خلفنا، والثالث أن نتخلص من الضباع التي تنتظرنا خارج النفق...!
معنى هذا أن علينا قبول الدخول في معركة من نمط خاص، فأمامنا تحد بحجم وجودنا، يمكن إختصاره بالمقولة التاريخية التي لطالما كررها كثير من الشعوب التي واجهت مشكلات مثل مشكلتنا، وأعني به تحد الدخول في معركة الحياة أو الموت..
ويتعين أولا أن نتفحص أدواتنا التي سنستعملها في هذه المعركة، فمعركة الحياة أو الموت تتطلب أدوات صالحة وليست مستهلكة مثل التي نمتلكها الآن!...
فعناصر المشهد السياسي الراهن قدمت كل ما أستطاعته، وأجتهدت بحسن نية أو بدونها! والذي وصلنا إليه هو كل الذي عندها، وما عاد في أقواسها غير نبال قليلة تحرص عليها ليوم عسرها لا ليوم عسرنا..! وتلك هي المفارقة..فقد نحت أدواتنا السياسية منحى المحافظة على وجودها، لا منحى المحافظة على وجودنا..أي ـ بالعربي الفصيح ـ حصل إنفصال بيننا وبينها، وأوصدت الأبواب بوجه مستقبلنا..ويوما بعد يوم ونتيجة لإزدياد مسافة الإنفصال بيننا وبين أدواتنا السياسية، يصعب الإتصال والتواصل، وكلما زادت المسافة ينشغل طرفي الإتصال كل منهما بهمه..!
نحن نريد المستقبل، وأدواتنا تريد حاضرها متعكزة على ماضيها! هذا الماضي الذي بدا هو الآخر منفصلا عن واقع تلك الأدوات..ّ! فالذين ضننا أنهم كانوا يقارعون الطاغوت من أجلنا خيبوا أملنا، وأتضح أخيرا أنهم كانوا نعم يصارعون الطاغوت، ولكن على كرسيه ليس إلا..!
و هكذا أكتشفنا أنه لا بد من قيامنا بفتح الأبواب الموصدة،وقبل فتح الأبواب المغلقة علينا أن نهيء مفاتيح تناسب أقفالها..وبدلا من أن نستعمل أكتافنا لفتح الأبواب، علينا أن نستخدم المفاتيح لفتحها، ستقولون أن المفاتيح قد ضاعت وسيقول الشعب أبحثوا عنها فهي موجودة هنا في ضميري..
كلام قبل السلام: هل مثل الحوار مفتاح للأبواب..؟..إن مع العسر عسرا..إن في الضمير يسرا..!
سلام..
https://telegram.me/buratha