حسن الهاشمي
احترام الكبير وتوقيره لما يحمل من تجارب الحياة وسوابق الإيمان خصلة متعالية ومتعاظمة تجلب الاطمئنان على قلب الإنسان وتضفي على المجتمع حالة من الهدوء والسكينة لما يتمتع أفراده من إحقاق الحقوق ورعايتها وبذر بذور المحبة والألفة بين أفراد المجتمع المتماسك، لهذا فقد أولى الإسلامُ أهمية قصوى لاحترام الكبير وحث على اتّباعها في معاملة الناس بعضهم لبعض، لكي تَقوَى المودَّةُ بينهم، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشأن: ليس منَا من لم يجلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه.والرسولُ الأعظم يَدعونا إلى هذا اللونِ من السلوك والأخلاق الحميدة، فَيُبَيِّن أَن كل شاب يُكرِم شَيخاً ضعيفاً لسِنِّهِ وشَيخوخته، فالله- سبحانه وتعالى- يَردُّه إليه، فَيُهَيئ له مَن يُكرِمه إذا كَبِرَت سِنّه.وهذا الحديثُ النبوي الشريف يَدعونا بصفة عامة إلى إكرامِ ومُساعدةِ مَن هو أكبرُ منا سِنَّا، ولو لم يكن شَيخاً، بجانب ذلك فان هذا الحديثَ يَدعو الكبيرَ إلى العَطفِ على الصغير، بأن يَبْتَسِمَ له ويَفرحَ بلقائه، ولا يَنهَرَه ولا يَقسُوَ عليه، وأن يُوجِّهَه وينصحَه في لِين، ويَمنحَه خِبرته وتَجارِبَه وعِلمه في عَطف.ولهذا جاء حديثُ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب، إِذ ينبغي أن يرحمَ المؤمن أخاه المؤمن، ويُشفِقَ عليه، ويقف بجانبه في وقتِ الشدة، ويزورَه في داره، ويَعودَه في مَرضه، ويتقربَ إليه بمـا تَيَسَّر من الهدايا ويتعهّدَه بما يحتاج إليه، ويَدفعَ عنه الأذى، ويَحُولَ بينه وبين الشر، ويجب أَن يَشْعُرَ كلُّ مؤمنٍ بالألم الذي يَحِل بأخيه المؤمن، ويَسعى في دَفعِه ما استطاع إلى ذلك سبيلا. عندما ندعو إلى مجتمع متماسك إنما ندعو إلى مناقبيات تحصن ذلك التماسك من الإنفراط، ندعو إلى الابتعاد عن الفساد والتطاول على المال العام والتنزه عن دنيات الفعل والقول ريثما نصل إلى ذلك المجتمع المناقبي الذي يكون فيه الإحترام والعطف والتآخي سجية من سجاياه، أما إذا ابتعد عن تلك المقومات فلا يلومن إلا نفسه لاسيما إذا غرق في وحل الجريمة والفوضى والفساد والإفساد، وهذا هو الفرق بين المجتمع المتماسك والمجتمع المتشرذم حيث إن الأول يجتنب المخازي ليرتقي الأعالي والثاني تراه قد انسلخ عن الوفاء فهو يفعل ويصنع ما يشاء دونما خجل أو حياء. وللوصول إلى المجتمع السعيد فإن التواصل فيما بين أفراده أمر مطلوب ومحبذ، وبما إن الكبير قد وهنت قواه وضعفت عضلاته فإنه بحاجة إلى رعاية وعناية خاصة وتتعاظم تلك العناية إذا كان في محياه علامات العلم والتقوى والفضيلة، فإكرام الكبير العالم أعظم من إكرام الكبير الجاهل، وإن كان تعظيم كلاهما إلى خير، لاسيما جاء في الأخبار النظر في وجه العالم عبادة، لأنه يذكرك بعظمة الله ويقوي جانب التقوى في قلبك، ويقدم تجاربه الحياتية والعلمية التي اكتسبها من خلال عمره المديد على طبق من ذهب، فالأمة التي تحترم كبرائها وتوقر علماءها هي حق أمة نابضة في قلوبها روح التراحم والتوادد، فإنها أمة لا تموت مهما كانت الرياح هوجاء وعاتية، بخلاف الأمة العتية فإنها أمة هوجاء يفتك بعضها بالبعض الآخر ولا يأمن شرها حتى أقرب المقربين إليها.وطالما تحلت الأمة بمكارم الأخلاق وحسن السيرة والسريرة فإنها أمة يفوح منها أريج المحبة والإخاء والمروءة والسعادة والهناء، أما إذا ما أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا، وجميل ما قاله أبو تمام حينما قال:إذا جاريت في خلق دنيئا*** فأنت ومن تجاريه سواءرأيت الحر يجتنب المخازي*** ويحميه عن الغدر الوفاءوما من شدة إلا سيأتي*** لها من بعد شدتها رخاءلقد جربت هذا الدهر حتى*** أفادتني التجارب والعناءيعيش المرء ما استحيا بخير*** ويبقى العود ما بقي اللحاء إذا لم تخش عاقبة الليالي*** ولم تستح فاصنع ما تشاء
https://telegram.me/buratha