المقالات

عاصفة معطرة بروث الابل /

520 16:10:00 2013-06-14

حافظ آل بشارة

اتعجب عندما أقرأ بحوثا ودراسات عراقية غنية بالارقام والجداول الملونة حول كيفية تنفيذ التنمية ، ومكافحة الفقر والبطالة وازمة السكن والفوضى الاقتصادية ، والكاتب يعلم ان هذه الموضوعات هي بنية فوقية لا يمكن انجازها ما لم تتوفر لها البنية التحتية ، وتشمل البنية التحتية : وجود وطن موحد ، دولة ذات سيادة ، سلطات منفصلة ومستقلة ، دستور ملائم يحظى باجماع وقابل للتطبيق ، برنامج حكومي واضح ، سلطة نيابية قادرة على المراقبة والمحاسبة ، كل هذه العناصر غير متوفرة الا بالاسم ، الحكومة صارت مشكلة من المشاكل وليست لحل المشاكل ، هذه الدولة اسيرة الارهاب والفساد وكل منهما يرفد الآخر ويسانده ، الفساد زلزال اخلاقي اداري ضرب العراق ، وقد هتكت أمامه عصم الناس حاكما ومحكوما ، أما الارهاب فله قصة مرعبة وهو ليس مجرد ظاهرة جريمة منظمة بل هو منعطف حضاري ، فالمجتمع يدفع ثمن بقاءه اكثر من 3 عقود تحت عبودية الطواغيت ، ثم عقدا تحت هيمنة الارهاب ، ثم هيمنة الفساد الميؤوس من اصلاحه ، تراجعت الحياة الاجتماعية كثيرا ، ووهنت خيوط التضامن الاجتماعي ، وغلبت الحياة الفردية بكل ابعادها ، وتعرضت البنية الاجتماعية الى هزات خطيرة فسادت حالة الانطواء والاعتزال والشعور بالخوف من الآخر ، فوجدت قوى التخلف فرصتها الفريدة فسحقت قوى التطور والتحديث ، فكأن العراق زحف زمنيا بتأريخه متقهقرا ، البلد الذي كان بالمقارنة مع دول المنطقة مثالا للمدنية والعمران والوفرة الاقتصادية والفنون والآداب ، بينما كانت دول النفط الحالية تغرق في رمال البداوة والتخلف والعزلة ، لكن بعد عقود تجتاح بداوة نجد والحجاز هذا البلد بكل ارهابها وتكفيرها وجاهليتها ودمويتها وحمقها لتحول العراق المدني الى ساحة للقتل العشوائي والكراهية والعبث والتدمير الممنهج ، نموذج تأريخي مقلوب !! فبدل ان يذهب العراق لجلب البدو الى قصور الحضارة البغدادية النجفية الموصلية ، جرى العكس هم الذين هاجموه ليأخذوا به الى خيمة قرونهم الوسطى ، انتصر سكان الربع الخالي على عراق الحضارات ، اشتروا بعضا من النخبة السياسية ولقحوها بفايروسات الارهاب والطائفية والكراهية ، سيل بدوي حانق من رمال الحجاز الى رمال العراق ، منازلة أخرى بين الحضارة النهرية الخضراء وعدمية البداوة الكالحة ، علموا ضحاياهم لغة التقسيم والعدمية ، اعادوا دفن الشافعي وابي حنيفة ومالك وابن حنبل وشطبوا على المنجز الفقهي والاخلاقي والعقيدي للطائفة السنية الكبيرة العريقة المتسامحة ، اطلقوا في شوارع العراق جمل عائشة وعورة عمرو بن العاص وقرود يزيد اشباحا متحركة كلما صرخت في ظلام العراق اعادته قرنا اضافيا الى الوراء ، اصبحت حياة البلد زحفا الى الوراء على كل الاصعدة ... ان اعادة الحياة بحاجة الى مواثيق شرف لجميع الشرائح ، ميثاق شرف سياسي ، ميثاق شرف اعلامي ، ميثاق شرف عشائري ، ميثاق شرف طلابي ، ميثاق شرف مذهبي علمائي ، تعهد وضمان لمواجهة موجة البداوة المعطرة بروث الأبل ، تلك الموجة التي رافقتها موجة عراقية من التفكك الاجتماعي ، فقد تركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كان الخائفون الصامتون يتصورون انهم سيحافظون على حياتهم ، لا يعرفون انهم بهذا الصمت يضعون انفسهم واهليهم في قبضة الفناء ، فهل من صحوة تبدأ بميثاق جديد ؟

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك